أمد/ دخلنا الشهر ال23 من الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، وبين الفترة والأخرى تعلن القيادتان السياسية والعسكرية بشكل مشترك، او كل على انفراد عن إطلاق عناوين عملياتها العسكرية للسيطرة على قطاع غزة، وهزيمة اذرع المقاومة، والافراج عن الرهائن دون قيد او شرط، كما أكد وزير الخارجية جدعون ساعر اول أمس الاثنين 4 آب/ أغسطس الحالي، على ضرورة إعادة جميع المختطفين من قطاع غزة دون شروط، مشددا على أن إسرائيل لن تقبل بأي تسوية تمليها حركة حماس.” ومنها “السيوف الحديدية، وحرب القيامة، وعربات جدعون، وغيرها من المسميات التوراتية، لإعطاء بُعد لاهوتي توراتي وعسكري وسياسي عليها. والان يجري الحديث عن الاحتلال الكامل لقطاع غزة، كما ذكرت القناة 12 العبرية أول أمس الاثنين عن مسؤول بارز (يعني بنيامين نتنياهو) في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن “تل ابيب قررت فعليا المضي في احتلال قطاع غزة.” وتعزيزا للتوجه باحتلال غزة، المفترض ان يكون عقد رئيس الائتلاف الحاكم أمس الثلاثاء جلسة أمنية لبحث تطورات الحرب، وسبل توسيع القتال باتجاه مناطق يعتقد انها تضم رهائن إسرائيليين، في ظل تحفظات من المؤسسة الأمنية التي تعارض أي عملية قد تهدد حياتهم.
ونقلت القناة عن مصدر أمني قوله، إن إسرائيل تراجعت عن اتفاق كان وشيكا مع حركة حماس، رغم أن الفجوات في المفاوضات كانت قابلة للجسر، ولم تبد الحركة ممانعة حقيقية، وفق المصدر. وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية “كان 11″، أن الإلغاء جاء بعد تعثر المفاوضات بشأن الاسرى، وتسريب معلومات تشير الى قرار نتنياهو بالمضي في احتلال القطاع، وهو ما يخالف موقف الجيش والمؤسسة الأمنية.
وكان الجنرال احتياط إسحاق بريك، وجه نداءً عاجلا للرئيس دونالد ترمب، مطالبا إياه بالتدخل الفوري وفرض وقف الحرب في قطاع غزة على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أجل الافراج عن الاسرى، والشروع في إعادة بناء إسرائيل وإنقاذها من التفكك والانهيار الوشيك.” وفي مقالة منشورة في صحيفة “هآرتس” أول أمس الاثنين، اعتبر بريك، أن القيادة الإسرائيلية الحالية “فقدت عقلها تماما.” وأنها تقاتل من أجل بقائها السياسي، وليس من أجل استمرار وجود الدولة، مضيفا أنها ستُسجّل في تاريخ إسرائيل “بالخزي والعار” بسبب ما وصفه بالفشل الاستراتيجي والكارثي في إدارة حرب غزة. وأوضح الجنرال، أن الحكومة تروج يوميا لخيارين وهميين لحسم الوضع في غزة. الأول: سيطرة الجيش على كامل قطاع غزة، وإقامة إدارة عسكرية، مع ضم أراضٍ منه واستبدال حكم حماس.
والثاني: أن ترضخ (حماس) وتفرج عن الاسرى من دون التوصل الى اتفاق لوقف الحرب، بيد ان بريك، اعتبر ان هذين الخيارين غير واقعيين على الاطلاق، ولا يطرحهما سوى “وزراء جهلة لم يدركوا حقيقة ما يجري في الميدان.”
من خلال قراءة ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية والأمنية العسكرية، يتبين لنا، أن هناك جملة من العوامل تتعارض مع توجه السيطرة الكاملة للجيش على قطاع غزة، ولا يكفي هنا ان تتوفر لدى للرجل القوي الرغبة بالاحتلال، ولكن يفترض توفر عدة عوامل تعزز هذا التوجه، الامر الذي يشي ان الإعلان المتكرر لنتنياهو وائتلافه الحاكم، ليس سوى شكلا من الضغط والابتزاز، لكن تنتفي عمليا الشروط الداعمة لتوجه رئيس الحكومة، والنواقص تتمثل في: أولا أي عملية احتلال للقطاع تحتاج الى توافق إسرائيلي عام، وهذا غير موجود، هناك انقسام داخل الشارع الإسرائيلي، فضلا عن رفض المعارضة وذوي الاسرى الإسرائيليين لهذا التوجه، ويعتبرونه مغامرة تستهدف قتل ابناءهم؛ ثانيا وحدة الموقف بين المستويين السياسي والعسكري، وهذا مفقود، لان العكس صحيح، هناك تناقض، وليس تباين في الاجتهادات، وهو ما عكسته السيناريوهات ال3 التي طرحها رئيس الأركان ايال زمير، ولم تتضمن مبدأ الاحتلال للقطاع، وردا على خيار الاحتلال، هدد زمير بالاستقالة من منصبه، ونقلا عن مصادر مكتب رئيس الوزراء تعليقا على تهديد زمير، قيل “إن لم يعجبه القرار، فليستقل ويرحل”؛ رابعا لم تستدعِ القيادة العسكرية قوات الاحتياط، أضف الى ان الجيش في حالة انهاك، وهناك الالاف من الضباط والجنود الذين يعانون من أمراض نفسية تؤثر على قدرتهم على مواصلة القتال، واذا كان الجيش منهكا ولا يوجد احتياط، كيف سيقاتل ويصمد في الميدان؟ خامسا التكاليف الباهظة في الأرواح والمعدات وعلى الصعيد المالي، ويقدر بعض اء الاقتصاديين، أن إسرائيل تحتاج سنويا الى 20 مليار شيكل، إن لم يكن أكثر؛ سادسا الرفض العربي والإقليمي والدولي لأي عملية احتلال إسرائيلية للقطاع. مع أن إسرائيل لها عامين كاملين تخوض عمليات عسكرية داخل مدن وقرى ومخيمات القطاع، ودمرت ما يزيد على 90% من البنى التحتية، وقتلت وجرحت واعتقلت ما يزيد على ربع مليون أنسان فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء في الإبادة الجماعية، ومع ذلك، لم تتمكن من الافراج عن رهائنها من القطاع، ورغم التجويع والامراض والاوبئة فشلت في هزيمة إرادة أبناء الشعب الفلسطيني، وبالتالي أي عملية احتلال للقطاع ستضاعف من عزلة إسرائيل الدولية، وتضعها على قائمة الدول المنبوذة، وستفرض عليها عقوبات … الخ
ورغم أني لا استبعد أي سيناريو من سيناريوهات الحرب القذرة والوحشية، غير أني لا أميل لسيناريو الاحتلال، لأن الثمن سيكون مرتفعا جدا. وشروط الاحتلال غير متوفرة في الواقع الإسرائيلي، الا أذا قامت الإدارة الأميركية وتولت قيادة وإدارة الحرب، ونقلت اساطيلها وغواصاتها وحاملات طائراتها وبالطبع جنودها وضباطها، ولا اعتقد ان إدارة ترمب الان مستعدة لذلك. وقادم الأيام حبلى بتطورات كيفية في المشهد السياسي الفلسطيني الإسرائيلي.