اخر الاخبار

اتباع الأكثرية منهج الحمقى والمغفلين!!

كثر في السنوات الأخيرة الكلام عن ثقافة القطيع ونفسية القطيع، استهجانا وتحذيرا بطبيعة الحال، وتحسب أن هذا ينم عن وعي وفهم، وأن الناس قد أخذوا تلقيحات فعالة جدا تعصمهم من الوقوع في شراك القطيع، بيد أن المفارقة العجيبة أننا في الوقت ذاته الذي كثر فيه الكلام عن القطيع والتحذير من نفسيته وثقافته نجد أجيالا من الناس تستمتع بنفسية القطيع وتتنعم بثقافة القطيع، حيث صار من المعتاد أن تسمع تسويغ (وتبرير) المعاصي والشذوذ والمنكر والانحرافات وانتهاك الحرمات واقتراف العيب من الكبار والصغار، ومن المثقفين والناس العاديين، ومن النخبة والجماهير بقالة السوء: إن أغلب الناس / كل الناس يفعل هذا، فلا مشكل إذا!، لا ريب أن كل واحد منا صادفه هذا الموقف مرارا وتكرارا.

إننا في زمن فسدت فيه أذواق أكثر الناس؛ لذلك نرى لهثا وراء (موضة) في اللباس و(قصات) شعر لا يرضى بها إلا مجنون أو سخيف، ومع ذلك كثير من الناس يدفعون أثمانا باهظة ليظهروا بها!. ويلهثون وراء سخافتها، حيث صار (الموضة) في كل المجالات سريعة التغيير والتبدل بسبب تسارع وقع الحياة الحديثة، ومع ذلك يلهث كثير من الناس وراءها بلا وعي ولا إرادة. وفسد فيه تفكير كثير من الناس إذ غلبت عليهم التفاهة والسخافة واللا منطق والسطحية، وإضافة لذلك شوّش عليهم رويبضة الإعلام ومواقع التواصل المختلفة ورويبضة الأقلام أيضا تفكيرهم بترهاتهم و(خرجاتهم)؛ لذلك رأينا حثالة المجتمع تصير (نجوما)، وأفكارا ميتة أو قاتلة أو ضحلة تنتشر بين الناس كالنار في الهشيم!، وسطحيين فارغين يصيرون علماء ودعاة ومفكرين وكتابا وإعلاميين!. وفسدت فيه معايير الناس وموازينهم إذ غلفتهم النظرة المادية، فصار الكم (عدد الإعجابات / عدد المتابعين / عدد المشاهدات / المداخيل والإيرادات…إلخ المعايير الكمية) هو الفيصل والحاكم، وغشيتهم المدنية الغربية، فصارت الإيديولوجيات الغربية هي المرجعية وعواصم الغرب هي القبلة أو القبلات، فقد ولّى كثير من الناس قبلة التوحيد الواحدة الموحدة وتقلبت وجوههم بين قبلات الغرب المختلفة… إلى آخر مظاهر التفاهة والسخافة التي غرقت فيه المجتمعات البشرية في العقود الأخيرة بسبب هيمنة النموذج الغربي السائر نحو الحضيض بسرعة ضوئية!.

أمام هذا الوضع البئيس الذي تعاني منه البشرية سيكون أغبى الناس بلا شك من يجعل نفسه ورقة في مهب ريح تيار الأكثرية العاصف أو خشبة في مياه نهر تيار الأكثرية الهادر!، إنه لمسكين أحمق من يستعبد نفسه لأهواء أكثر الناس، ويرضى لنفسه أن يكون نسخة كربونية لملايين من البشر استسلموا كلية لتيار الأكثرية واستمرؤوا حياة القطيع، وإذا كان مسلما في أصله ومنشئه فهو أشدهم غباء وحمقى!، حين ضيّع تكريم الله تعالى له بالدين الحق والصراط المستقيم وراح يلهث وراء أهواء أقوام الحياة عندهم لهو ولعب وهم بالآخرة كافرون، {وذَر الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وغرّتهم الحياة الدنيا}.

إن الأصل أن يكون المسلم محصنا من السقوط في شراك القطيع وثقافته وآلياته في التوجيه والتحكم؛ لأن القرآن الحكيم قد نبهنا إلى خطورة اتخاذ الأكثرية مرجعية أو معيارا للحكم بالصواب والصلاحية في أكثر من سبعين آية، والذي يتلو القرآن الكريم كما أمره ربه سبحانه سيرى كم تكررت فيه أمثال هذه الآيات البينات: {ولٰكن أكثر الناس لا يشكرون}، {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}، {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}، {وأكثرهم للحق كارهون}، {أم تحسَب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا}، {فأبى أكثر الناس إلا كفورا}، {وما يتّبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يُغني من الحق شيئا}…إلخ. وليتدبر وليتفهم المقصد الرباني من ذكر هذه الآيات وتكرار هذا المعنى، حتى يتبين له بوضوح أن القرآن الحكيم هو كتاب هداية تامة كاملة ما تركت شاردة ولا واردة قد تُسبب ضلال الناس وهم لا يشعرون إلا نبهت عليها وبينتها كامل البيان كقضية الاغترار بالأكثرية والتسليم أو الاستسلام لها. وقديما قال سادتنا العلماء: لا تغتر بكثرة الهالكين ولا تستوحش من قلة السالكين!، ولكن للأسف أن أكثر الناس لا يفكرون تفكيرا سليما!.

* إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *