اخر الاخبار

إيران وأمريكا: مواجهة أم مفاوضات؟ كيف تؤثر زيارة أمير قطر على مستقبل الاتفاق النووي؟

أمد/ تتسم العلاقات بين إيران والولايات المتحدة بالتوتر المستمر منذ عقود، حيث مرت بمراحل مختلفة من التحالف الوثيق في خمسينيات القرن الماضي إلى القطيعة بعد الثورة الإسلامية عام 1979. اليوم، يعود الصراع إلى الواجهة مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران. في هذا السياق، جاءت زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى طهران وسط تساؤلات حول ما إذا كان يحمل رسالة أمريكية تهدف إلى استئناف المفاوضات النووية، وما إذا كانت إيران مستعدة للعودة إلى طاولة الحوار بشروط جديدة.

من التحالف إلى الصدام

في عام 1955، وقّعت إيران والولايات المتحدة “اتفاقية الصداقة والمودة”، مما عزز التعاون بين البلدين، لا سيما في المجالين الاقتصادي والعسكري. ومن بين أشكال هذا التعاون، زودت واشنطن طهران بأول مفاعل نووي ضمن برنامج “الذرة من أجل السلام”، في إطار استراتيجيتها لدعم حلفائها في الشرق الأوسط.

لكن الثورة الإسلامية عام 1979 قلبت موازين العلاقات بالكامل. احتلال السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين أدى إلى قطيعة دبلوماسية كاملة، تبعتها عقوبات اقتصادية صارمة على إيران. ومنذ ذلك الحين، أصبح الملف النووي الإيراني المحور الرئيسي للصراع، حيث تصر طهران على حقها في تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية، بينما ترى واشنطن أنه قد يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي والدولي.

الاتفاق النووي 2015: فرصة ضائعة؟

في يوليو 2015، تم توقيع الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA) بين إيران والدول الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، والصين). وقد هدف الاتفاق إلى فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها. ومن أبرز بنوده:

1. تقييد تخصيب اليورانيوم عند نسبة 3.67٪، وهي نسبة أقل بكثير من المستوى اللازم لصناعة الأسلحة النووية.

2. تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة في إيران، مما يحد من قدرتها على تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم بسرعة.

3. إعادة تصميم مفاعل أراك للماء الثقيل حتى لا يتمكن من إنتاج البلوتونيوم المستخدم في صناعة الأسلحة النووية.

4. الالتزام برقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر عمليات تفتيش دورية للتحقق من التزام إيران بالاتفاق.

5. التخلص من مخزون اليورانيوم المخصب الذي كان بحوزة إيران، مما يقلل من قدرتها على إنتاج سلاح نووي.

لكن في 2018، انسحب ترامب من الاتفاق النووي، معتبرًا أنه “اتفاق سيئ”، وأعاد فرض العقوبات على إيران. وردت طهران بتقليص التزاماتها النووية تدريجيًا، مما أعاد التوتر إلى ذروته.

زيارة أمير قطر إلى طهران: رسائل أمريكية وأجندة إيرانية

في 18 فبراير 2025، زار أمير قطر طهران والتقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إضافة إلى القائد آية الله السيد علي خامنئي في زيارة تأتي في وقت حساس تشهد فيه المنطقة تصعيدًا مستمرًا. وتشير بعض التقارير إلى أن الأمير تميم ربما نقل رسالة من الرئيس الأمريكي ترامب، تهدف إلى إقناع طهران بالعودة إلى المفاوضات النووية وفق شروط جديدة.

إيران بدورها أوضحت موقفها، حيث أكد القائد الأعلى سيد علي خامنئي، خلال لقائه بالأمير تميم، أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط، محذرًا من أن سياسة العقوبات والعزل قد تدفع طهران إلى تبني نهج مشابه لكوريا الشمالية، ما قد يؤدي إلى عواقب غير محسوبة على استقرار المنطقة والعالم. كما انتقد خامنئي موقف قطر من تجميد الأموال الإيرانية المحولة من كوريا الجنوبية، مشيرًا إلى أنها خضعت للضغوط الأمريكية بدلاً من اتخاذ موقف مستقل.

خمسة عوامل تمنع إيران من تطوير سلاح نووي

على الرغم من التصعيد في الملف النووي، إلا أن هناك عدة عوامل تمنع إيران من السعي لامتلاك سلاح نووي:

1. الالتزام الديني: أصدر المرشد الأعلى الإيراني فتوى تحرّم إنتاج واستخدام الأسلحة النووية، وهو التزام ديني وأخلاقي يحدد سياسة طهران النووية.

2. العضوية في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT): إيران موقعة على المعاهدة، مما يمنعها قانونيًا من تصنيع أسلحة نووية.

3. التفتيش الدولي: إيران تخضع لرقابة صارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تضمن عدم تحويل برنامجها النووي لأغراض عسكرية.

4. التداعيات الدولية: تطوير إيران لسلاح نووي قد يؤدي إلى عزلة دولية خانقة وعقوبات غير مسبوقة، مما يؤثر على اقتصادها واستقرارها الداخلي.

5. عدم امتلاك إسرائيل التزامًا مماثلًا: في حين ترفض إسرائيل التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي وتمتلك ترسانة نووية غير خاضعة للرقابة، فإن إيران اختارت الالتزام بالمعايير الدولية، مما يمنحها موقفًا دبلوماسيًا أقوى.

إيران والترويكا الأوروبية: الحاجة إلى دور أكثر فاعلية

بينما تسعى الولايات المتحدة إلى فرض شروط جديدة على إيران، يجب على الترويكا الأوروبية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا) اتخاذ موقف أكثر توازنًا. هذه الدول كانت طرفًا في الاتفاق النووي، وعليها أن تفي بالتزاماتها تجاه طهران بدلاً من مسايرة النهج الأمريكي بالكامل. تعزيز الحوار الإيجابي وضمان تطبيق الاتفاق النووي يمكن أن يساهما في تخفيف التوترات الإقليمية، وفتح المجال لحل سلمي يضمن مصالح جميع الأطراف.

الموقع الجيوسياسي لإيران وأهمية تجنب المواجهة العسكرية

إيران ليست مجرد دولة شرق أوسطية أخرى، بل تُعتبر مركزًا استراتيجيًا يمتد تأثيره إلى مختلف الأزمات الإقليمية والدولية. موقعها الجغرافي عند تقاطع طرق التجارة والطاقة يجعلها لاعبًا أساسيًا في استقرار الأسواق العالمية.

أي مواجهة عسكرية مع إيران لن تقتصر آثارها على المنطقة فقط، بل ستهدد استقرار الاقتصاد العالمي، وترفع أسعار النفط والغاز إلى مستويات غير مسبوقة. حتى الدول التي تعتقد أنها محصنة، مثل قطر، لن تكون بمنأى عن التداعيات، خاصة وأنها تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط وتعتمد على تصدير الغاز المسال عبر مضيق هرمز، الذي قد يكون ساحة لأي تصعيد عسكري.

خاتمة: الحاجة إلى مسار دبلوماسي جديد

في ظل التعقيدات الحالية، يبقى الحل الأمثل هو العودة إلى طاولة المفاوضات، ولكن ليس بنفس الشروط التي انسحبت منها واشنطن سابقًا. يجب على إدارة ترامب إدراك أن إيران ليست دولة يمكن التعامل معها بسياسة “العصا فقط”، بل ينبغي الاعتراف بتاريخها وحضارتها ودورها المحوري في المنطقة.

كما أن على أوروبا أن تلعب دورًا أكثر استقلالية عن واشنطن، من خلال تنفيذ التزاماتها ضمن الاتفاق النووي وعدم المماطلة في رفع العقوبات.

إن تجنب المواجهة العسكرية ليس مصلحة إيرانية فقط، بل ضرورة إقليمية وعالمية. فالمنطقة والعالم بأسره لا يحتملان حربًا جديدة، وأي تصعيد قد يجر الجميع إلى مستنقع لا يمكن الخروج منه بسهولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *