اخر الاخبار

إنما النصر مع الصبر

 لقد منحتنا غزة وأهلها الصامدون المرابطون دروسا عظيمة في التحمل والصبر، رغم المعاناة الكبيرة والظلم الغشيم الواقع عليهم، وعلمنا طوفان الأقصى أن المعركة عندما تطول مع أهل الباطل، فإن الغلبة والنصرة تكون لأصحاب العقيدة الثابتة والإيمان الراسخ، إذا تحلوا بالصبر والتمسك بالمبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق؛ كما قال الله تعالى: {استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.

والحرب لا بد فيها من الصبر والأخذ بعزائم الأمور لأنها ستطول؛ إذ لن يرضى الباطل أن يترك ساحة المعركة دون تقديم كل ما لديه من قوة، فسينتصر لباطله ويبذل كل ما يستطيع من قوة مالية وبدنية وفكرية من أجل القضاء على الحق؛ قال الله تعالى: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، فقتال أهل الباطل مستمر، ولكنهم لن يستطيعوا أبدا أن يقضوا على الحق: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.

القوة المادية مطلوبة شرعا: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، ولكن مطلوب شرعا ألا تغرنا وتفتنا  ونظن النصر بهذه القوة المادية فنخسر المعركة، فالمؤمنون يستمدون قوتهم من الله، فاتكالهم الحقيقي يكون على الله سبحانه وتعالى.

نصر الله للمؤمنين آت بإذن الله تعالى، ولكن علينا أن نستمسك بالصبر، فالطريق طويل ومليء بالصعوبات، وما يجده المؤمنون من اضطهاد وضيم هو من البلاء والتمحيص ليميز الله الخبيث من الطيب، فلا يصيبنا اليأس والقنوط، فتكون كوة يلج منها الباطل ليخدر بها عزائمنا وصمودنا، فالمعركة معركة ثبات وتمسك بالمبادئ، فالمتمسك بمبادئه هو من سينتصر في الأخير.

والصبر ليس مجرد كلمة ترددها الألسن مع ضيق الصدر، وتململ القلب، إنما هو الذي لا يصاحبه السخط ولا القلق، والصبر الحقيقي هو الذي تختاره من دون أي ضغط وبهدوء لأنه وسيلة وليس غاية للوصول إلى الهدف؛ الصبر هو محاولة النفس على تحمل الألم والأذى وفقدان الحقوق والعدل.

إن المسلم حين يتأمل في حياته وما يعتريها من عوارض وأحوال وكوارث ونكبات، يجد الصبر ضرورة حياتية لكل عملٍ في الحياة، سلبا كان أو إيجابا، فالصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له، كما لا حياة لجسد لا رأس له.

الصبر لازم من مقتضيات الحياة كما روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: “فاصبر، فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، فإن مع العسر يسرا”. ثم قال: “عجبا لأمرِ المؤمنِ، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمنِ، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له”.

إن المصائب قد تكون عظيمة فتحتاج إلى صبر جميل، وعقل رشيد، وإيمان شديد، وإن بعض الناس تلهيه المصيبة، ويخونه الصبر فيفوته الأجر العظيم، ولو صبر ساعة لنال الأجر وحسن الذكر، عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ النبي صلّى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبرٍ، فقال: اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني، فإنك لم تُصَب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلّى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلّى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفكَ، فقال: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى”.

وملحمة في الصبر والثبات على الحق والهدى والدين سطرها أهل غزة للعالمين جميعا؛ غزة بالأمس واليوم وغدا مدرسة مستمرة في إعطائنا الدروس العملية، وإننا نحتاج إلى أن نتربى على يدي أبطالها لعقود طويلة ولأجيال متتالية، لأنها علمتنا كيف تُصنع الكرامة، وممن يُستمد النصر، وإلى من يُفوض الأمر، وكيف يكون التوكل الحقيقي، وما هو معنى حسن الظن بالله وصدق اللجوء إليه، وكيف تحفظ الأمانات، ومن هم أهل المبادئ، وكيف يكون النفاق والخذلان، وأين تكمن عللنا، والكثير الكثير من الدروس والعبر التي تقدمها غزة ونساء غزة ورجال غزة وأطفال غزة.

غزة كنز تربوي وإيماني وجهادي وأخلاقي وفكري يعجز القلم عن الإحاطة بجميع أسراره، فاللهم احفظ أهل غزة بحفظك، وانصرهم بنصرك، وكن لهم معينا ونصيرا، ومؤيدا وظهيرا يا رب العالمين.

نعم، إن النصر بإذن الله قادم، وإن الليل مهما أرخى سدوله واشتد سواده فإن نور الصبح قريب: {فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}، فإن الظالم كلما زاد ظلمه وطغيانه، كان ذلك إيذانا بدنو زواله وزوال ملكه بإذن الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *