إمبريالية المعرفة أمد للإعلام
أمد/ ( الحلقة 3 )
السلعة والبضاعة وما آلا اليه:
يفرق فقهاء الاقتصاد بين السلعة والبضاعة على ان السلعة هي المواد الخام والبضاعة هي المنتج الجاهز للاستعمال او المعروضة في السوق مع ان العامة يستخدمون الكلمتين بنفس معنى البضاعة ويوحد المتحدثون بالعربية بين المعنيين في حين نجدهما مختلفان كليا باللعة الانجليزية ويبدو ان تفسير السلعة بانها المواد الخام اقرب الى الدقة وهنا المواد الخام يمكنها ان تتحول الى بضاعة حين نستهدفها لاستعمالها بإنتاج بضاعة اخرى بمعنى انها ايضا ملكت القيمة الاستعمالية وهي بالضرورة تملك قيمة تبادلية اما مع سلعة اخرى او مع بضاعة ناجزة وفي كلا الحالتين يحتاج كلاهما كي يصبحان قابلين للتبادل الى العمل البشري الذي يخرج السلعة او البضاعة من سباتها الغير نافع الى مسرح النفع والحاجة حين يصبحان مطلوبين لمن يحتاج وبالتالي يصبح العرض ضرورة وفي الحالتين يتدخل العمل البشري ليمنح كلاهما قيمة المنفعة التي تمنحهما بالضرورة قيمتهما التبادلية.
للسلعة عند احراجها للسوق بواسطة العمل قيمة وللبضاعة ايضا بعد تدخل العمل تخرج الى السوق وتحصل كلتاهما على مكانتهما التبادلية فورا وقد اكتشف كارل ماركس ما بينهما من قيمة او القمة الخلفية التي تقف خلف قدرتهما السلعة والبضاعة الى امتلاك قيمتهما النفعية وبالتالي قيمتهما التبادلية وهي قيمة العمل التي اغفلها الجميع من قبله او انهم لم يمنحوها مكانتها الحقيقية فلولاهما لظلت السلعة في الارض او في البحر ولم تحضر البضاعة ابدا الى محتاجها وكلما تطورت حياة الناس تطورت الحاجة الى بضائع جديدة وظهرت صناعات جديدة وادوات عمل جديدة وكلما ازدادت الحاجة من حيث الكم صار من الضرورة تطوير القدرة على تلبية احتياجات المستهلك والمستهلك هنا ليس الفرد بل عامة الناس والذين تتباين حاجاتهم حسب مكانتهم من العملية الانتاجية برمتها فمن يقف بمكان المستهلك سيكتفي بهذه المكانة ويحصل على ما يحتاجه لمنفعته الشخصية او الجماعية ومن يقف في مكان المنتج لن يكتفي بمنتج واحد.
من اتى بالمادة الخام واشترى وقت العمل او قيمة العمل واتى بالأدوات اللازمة لإنتاج البضاعة لن يكتفي بالحصول على مجموع التكلفة التي صرفها لإنتاج البضاعة بما يعني انه لن يبادل ” المادة الخام وقوة العمل والالة وراس المال المستخدم ” المكونة لصنف البضاعة المنتج بما يساويها بل سيسعى لتحقيق اعلى قدر ممكن من البضاعة وهو ايضا سيسعى لإيجاد طرق اخرى لاستخدام نفس المكونات لإنتاج اصناف جديدة من البضائع تلبي حاجة السوق وبالتالي تساهم في ارتفاع مستويات الربح الى اقصى درجة ممكنة.
هذا دفع اصحاب راس المتال للانتباه الى قوة عمل كامنة وغير ظاهرة للجميع وهي قوة العمل الذهني والتي شكلت الرافعة الاساس والاقوى للبحث في مسارين الاول تطوير ادوات الانتاج بكل انواعها والثاني الفحص في الطبيعة واستخراج امكانيات كامنة وكان للعلم والاكتشافات والمختبرات الور الاهم في ذلك وتواصل التركيز على قوة العمل الذهنية باستخدامها لاستخراج قدرات وامكانيات اكثر قيمة وتنوع من مقدرات الطبيعة وكذا البحث في استخدامات مختلفة لهذه المكتشفات فالذي اكتشف الديناميت ندم فيما بعد حين تمكن اصحاب المصالح في الحروب في استخدامه كمادة رئيسية في المتفجرات وادوات الدمار الى جانب استخدامها الانساني في المناجم لاستخراج الفحم الحجري او حجارة البناء وما شابه ولذا فقد شعر مخترع الديناميت ” الفريد نوبل ” بكثير من الندم حد تأسيس ما يسمى اليوم بجائزة نوبل السلام تكفيرا عن ما الحقه اختراعه بالبشرية من ويلات ولا زال.
في اقصى درجات الرأسمالية لم يكتفي الرأسمالي بمكانة الملبي للاحتياجات حيث امكن بل سيسعى لإيجاد اسواق جديدة ومصادر سلع جديدة واحتياجات جديدة وهو ما قاد العالم الى ظاهرة الاستعمار قديما وحديثا والحاجة لمصادر السلع والاسواق والقدرة على الوصول اليها خلق حاجة جديدة قادت للوصول الى بضائع جديدة بمعنى تمت صناعة الهدف اي الوصول الى السلع والاسواق وهو ما يعني القدرة على الحصول وهو غير ممكن الا بالقوة الذي خلق فكرة الحرب وبالتالي صار من الضروري تلبية احتياجات هذه الحرب بصناعة الاسلحة.
السلعة بوصفها مادة خام يمكن ان تكون مكونا لأكثر من نوع من البضائع وهذا يتأتى من خلال قيمة العمل الذهني اولا ثم قيمة العمل البدني او اليدوي والا لبقيت السلعة على حالها ولم تتحول الى قيمة استعمالية وبالتالي الى قيمة تبادلية والذي منحها قيمة المنفعة لتصبح قيمة استعمالية وتبادلية هي قوة العمل الذهني والجسدي فالتزاوج اذن جاء بين راس المال والمادة الجامدة0اي السلعة وقوة العمل بشقيها ( الذهني والجسدي ) معا صنعا البضاعة ذات النفع ولا احد يمكنه هنا الاستغناء عن الآخر ابدا فلا فائدة من السلعة دون قوة العمل الذهني الذي اكتشف المنفعة الكامنة بهذه السلعة والحاجة اليها وقوة العمل الجسدي الذي اخرج هذه السلعة من الدور الراكد الى الفعل المتحرك وهما معا لن يجديا نفعا دون السلعة نفسها المادة الاولية المكونة للبضاعة ووحده يظهر راس المال هنا كطفيلي لا مكانة عملية له سوى تحقيق الربح بالربح على حساب المكونين الاخرين.
المكون الاول هو طبيعي يمكن لليد العاملة بعد اكتشاف قوة العمل الذهني له لن تستخرجه بعيدا عن المال ويمكنها ايضا بالعمل اليدوي ان تحوله الى بضاعة ذات نفع استعمالي وتمنحه بهذا المنفعة والتبادلية لكن تدريجيا تمكن راس المال من اخذ زمام المبادرة باكتشاف الالة وتطويرها الى الالة الالكترونية وذهبت التطورات الى ابعد بكثير باكتشاف الكمبيوتر والانترنت والذكاء الاصطناعي والروبوت الذي جعل قوى العمل الجسدية تتراجع الى الوراء بالمعنى الفردي والجمعي معا وترك قوة العمل الذهنية اكثر حضورا ومنفعة لكنها تفتقد الى مكانتها وتأثيرها الجمعي لانحصارها في النخبة كقلة غير مترابطة وهذا ما جعل التركيبة الاجتماعية لمنظومة اقتصاد المعرفة مفككة وغير قادرة على لعب الدور المؤثر في الحياة السياسية لتراجع دورها في الحياة الاقتصادية وبذا فقدت ما تسمى بالطبقة العاملة مكانة اللاعب الرئيس بالسياسة لان مكانة اليد العاملة التي كانت قادرة على احداث شلل في الحياة الاقتصادية ان قررت ذلك لم يعد قائما بالمعنى الحقيقي والفاعل كما كان ذلك في القرن العشرين