اخر الاخبار

: إضاءة على رواية حمروش لجميل السلحوت

أمد/ إضاءة على رواية (حمروش) للكاتب جميل السلحوت، الصادرة عن دار الهدى أ.عبد زحالقة في كفر قرع.

الرواية موجه للفتيان والفتيات.

رواية (حمروش) فكرة مستمدّة من حكاية شعبية، قائمة على محاربة الجهل والخرافات بالبحث وتقصّي الحقائق.

ليس من الغريب أو الجديد أن نقرأ للأديب السلحوت مثل هذه الرواية الاجتماعية، القائمة على نبذ ثقافة الجهل، وقد تميّز الكاتب في كتابة هذا النوع من الأدب الشعبي، بسبب تأثّره بما شاهد وسمع عن تلك الشرائح المجتمعية الموجودة في البادية والريف الفلسطيني، والتي تغلبت عليها ثقافة الجهل والإيمان بالخرافات والمشعوذين، وقد عانى الكاتب من تفشّي الخرافات في صغره، وأدّى الانجرار اليها إلى فقد إحدى عينيه، نتيجة الإهمال الطبي، والتوجّه إلى المشعوذين بدل تطبيبها، من هنا نلمس مدى تأثر الكاتب النفسي بسلبية الجهل والشعوذة، وجعل هذه القضية من أهم القضايا التي حاربها وكتب عنها في أكثر من رواية، وطالب بعدم استخدام الوصفات البدائيّة للعلاج، والتوجّه إلى الأطباء لمداواتهم.

تطرق الكاتب في روايته إلى المرأة التي تريد الانجاب، وصور فرحها ورضاها بأقذر وصفة ( البصق في فمها) ليتم الحمل، وأشار إلى المرأة القوية المشعوذة التي تستهبل النساء وتستغل أحلامهنّ وأمنياتهنّ في سلب عقولهنّ وأموالهنّ.

نبّه الكاتب إلى المجتمع وما حمله من سلوكيات غير مقبولة، وأفكار تحطّ من قدر العلم والتعمّق في الأمور، وتقليد أعمى ورثوه عن المجتمع دون تمحيص أو تدبّر، وبين لنا أن بعض هذه السلوكيات غير الاخلاقية، كانت ولا زالت مستشرية بالمجتمع العربي عامة، وفي الريف والبادية خاصة، قد زادت من ضعف الأمة، ونوّه إليها كعادات وتقاليد بعيدة عن الدين، ونادى إلى التعلم والابتعاد عن نشر الاشاعات الخرافات، وحذّر من تغلّب الفئة الفاسدة المتحكمة والمسيطرة على عقول البسطاء.

أشار الكاتب إلى دور الفتى سعيد في اكتشاف حقيقة تغافل الناس عن فضحها أو حتى التحدث عنها في مغارة ظلت مغلقة بسبب جهلهم، وبسبب خرافة وكذبة تغلغلت بينهم، كذبة آمنوا بها وصدقوها ونشروها دون تفكير.

أشار الكاتب للمرأة ودورها المهم في نقل هذه الخرافات والشعوذات ونقل هذا السلوك السّيء والاحتفاظ فيه، بل وجدناها نصيرة له، تعين الرجل في تجبره وفي استضعاف بنات جنسها والسيطرة على عقولهنّ، ناسية أن الدين نادى باحترام المرأة وعدم امتهانها، وساوى بينها وبين الرجل في العبادة والمعاملات والعقوبات والعلم والعمل، وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ به امرأة من الملل والديانات الأخرى.

صوّر الكاتب في هذه الرواية أن المجتمع البدوي أو القروي ما زال يحمل المعتقدات والخرافات في معاملاته وتفكيره ، إلا أنني أرى أن المجتمعات بكافة شرائحها بدأت بالتحرر، بعدما أصبح العلم وجهة لأبناء القرى من عقود طويلة، وأن تلك الخرافات بدأت بالتلاشي، وحل محلها الآن عالم التكنولوجيا والانترنت والذكاء الاصطناعي، وبعض الأفكار التي لا تليق بأخلاقنا ولا توافق عقيدتنا، والتي من واجبنا محاربتها ومواجهتها بالايمان والعلم، كما نواجه الخرافات والمعتقدات البالية.

استشهد الكاتب من خلال سرده للأحداث والحوارات بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأمثال الشعبية لتوطئة الفكرة وترسيخ مهمتها لدى المتلقي وإقناعه، وهذا ما يميز كتابات السلحوت، وقد طغى ذكرها في أكثر رواياته وبشكل لافت.

لو نظرنا للرواية كنتاج من روايات التخييل ( وهو أحد أسرار الفنّ الروائي، ولا شكّ أنّه وإن كان يستبطن الوهم أو الإيهام، فإنّه لا يرمي إلى التضليل أو التمويه أو التتويه، بل تراه ينشّط الخيال، يزيد من فاعليّة الزمن، يحفّز على النشاط، يبعث على التجدّد، ويقدّم بدائل وعوالم ما كانت في الحسبان) نجد أن الرواية كانت بعيدة عن الواقع في زمننا الحاضر، ولكن كان للخيال فيها دور مهم في تحقيق البناء الروائي، بل زادت من فاعلية الزمن الماضي، ليتجدد في عصرنا الحاضر فلا تضلل أو توهم المتلقي، بل جاءت لتساعده في نشر الوعي.

تناول الكاتب شريحة مهمّة في المجتمع الفلسطيني كان لها تأثير في حارات القدس وما حولها من قرى وهم (النّور) (الغجر) والتي تمثلت بشخصية الغجرية صبرية وزوجها عبده وأولادهما، وأشار إلى حالتهم الاجتماعية وبيعهم الكرابيل والغرابيل لأهالي القرية، وعرفنا بزوجها عبده الذي كان يغنّي ويعزف على الشبّابة وهي ترقص، وتدخل البيوت وتقرأُ الكفّ للنساء هناك، ودعمهنّ لها ماليا.

أثار الكاتب في روايته قضايا اجتماعية عبر عنها من خلال شخصيات الرواية وأهمها شخصية الفتى سعيد، والذي اتصف بالجرأة والذكاء والتحدي والبحث وعدم الخوف، عندما حمل رأس (الحمار) وحاول إسقاط خرافة تتعلق بوجود ولي صالح مدفون بالمغارة (حمروش) دفنه اللصوص هناك، لكن المجتمع الجاهل خاف وأغلق باب المغارة، حتى لا تخرج الأرواح المسكونة من المغارة وتعاقبهم.

ومن الملاحظ أن الكاتب المعلم يؤكد أن طريق الحقّ سيسلكها الجيل المتعلم، حين يتحدى الصعاب ويواجه طريق الجهل والظلام بقوة. ويطالب الكاتب بإعطاء فرصة جادة للأجيال الصاعدة، مع إرشادها ودعمها معنويا وماليا، وعدم كبح جماح بحثها وابتكارها.

يعوّل الكاتب على هذا النوع من الفتيان، ويؤمن به وبقوته، جيل يحمل أمانة التّحرر ويؤدي رسالة التعلم بكل ثقة، جيل سيغلق أبواب الجهل والتهميش والظلم، يستنبط الحقيقة ويُرسّخ دعائم العدل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *