إصرار فرنسي على الإنكار
على قائمة الملفات التي لا زالت توتر العلاقات الجزائريةالفرنسية، يحتل ملف التجارب النووية الفرنسية بالجزائر بين 1960 و1966 مرتبة متقدمة.
وفي الحوار الصحفي الأخير، أشار الرئيس عبد المجيد تبون، إلى أن الجانب الفرنسي لا يبدي أي استعداد للمضي إلى الأمام في العلاقات الثنائية، بدليل عدم قيام الفرنسيين بأي مبادرة لتطهير مواقع التجارب النووية في الجنوب الجزائري التي مكّنت فرنسا من الانضمام إلى نادي القوى النووية، أو بتطهير مواقع التجارب الكيماوية والبيولوجية في منطقة وادي الناموس التي استمرت إلى 1986، حسبما ذكره الجنرال المتقاعد، رشيد بن يلس، في كتابه في القوة الكهربائية (19621999).
ويكابر الجانب الفرنسي في الإقرار بمسؤولية بلاده في تلويث مساحات كبيرة من الأراضي الجزائرية بمخلّفات التجارب والإشعاعات النووية الكيماوية، وتعويض آلاف الضحايا الذين ماتوا أو أصيبوا بأمراض متنوعة في وقت واحد. فباريس تعطي، حاليا، الأولوية لمنطقة بولينيزيا الفرنسية بالمحيط الهادي في هذا المسار باعتبارها أراضٍ تابعة لها، فيما لا تقدم على الجانب الجزائري رغم المطالب، وترفض المبادرة بفتح الأرشيف المتعلق بتلك التجارب وتعويض الضحايا. وفي الإعلان الصادر عن الرئاسة الفرنسية في مارس الماضي 2021، تم استثناء المعلومات المتعلقة بالتجارب النووية الـ17 التي تمت في الجزائر بين 1960 و1966 من قائمة الوثائق المتاحة للجمهور، وفق ما نشرته وسائل الإعلام الفرنسية في حينه.
ولا تفوّت الجزائر أي فرصة لمطالبة الجانب الفرنسي بكشف الحقيقة والوثائق، ففي اللقاء الذي جمع رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق السعيد شنقريحة، بنظيره الجنرال فرنسوا لوكوانترا في 2021، كرّر رئيس الأركان الطلب للسلطات الفرنسية المساعدة في عمليات إعادة تأهيل موقعي رقان وإن إكر بأقصى الجنوب، واللذين شهدا تنفيذ عدة تجارب. وتضم المطالب الجزائرية تسليم الخرائط الطبوغرافية لتمكينها من تحديد “مناطق دفن النفايات الملوثة المشعة أو الكيميائية غير المكتشفة لحد اليوم”.
جزائريا دائما، لم تتوان المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، في مناسبات عديدة، إلى توجيه أصابع الاتهام، وأن الجانب الفرنسي لم يكتف بخداع الجانب الجزائري بخصوص نوعية التجارب، منتهكا أحكام اتفاقيات إيفيان التي أتاحت له الاحتفاظ بمواقع في الصحراء لإجراء تجارب علمية، بل عمل على فرملة جهود إصلاح بعض الأضرار عبر تعويض ضحايا هذه التجارب، حيث أشارت بن براهم إلى وضع قيود على طلبات التعويض المقدّمة من قبل الضحايا الجزائريين تطبيقا لأحكام قانون موران، وكشفت أنه عمل على التشكيك في نتائج ة التي أجريت من طرف مخبر متخصص لتحديد معدّلات الإشعاع النووي في التربة.
وأثّرت العراقيل التشريعية التي وضعتها السلطات الفرنسية في معالجة طلبات التعويض، في ضعف حصة الجزائريين في التعويضات. ففي 2022 وحدها، لم يتقدّم إلا 9 رعايا جزائريين بطلبات التعويض، فيما رفضت محكمة فرنسية، في نوفمبر 2023، طلبات التعويض المقدّمة من أقارب أشخاص لقوا حتفهم نتيجة للتجارب النووية التي أجرتها باريس في الصحراء الجزائرية وفي بولينيزيا بين عامي 1960 و1998، وذلك بحجة التقادم وبذريعة أن قانون 2010 لا يشمل أقارب الضحايا، وبالتالي تنطبق على طلبهم قواعد القانون العام للمسؤولية والذي ينص على التقادم بعد أربع سنوات.
وتنقل دراسة جزائرية نشرت في 2018 بمجلة البحوث القانونية والاقتصادية، أشارت فيها إلى أن السلطات الفرنسیة استعملت 42 ألف جزائري، من بینهم أسرى جبهة التحرير الوطني “فئران تجارب” في تفجیر عام 1960، وذكر أن النفايات وبقايا التفجير تسبّب في هلاك 60 ألف جزائري بین 1960 إلى 1966، ومن أخطر ما كشف عنه أن فرنسا استعملت الجزائريين في التجارب النوویة دون أن تقوم أصلا بأرشفة أو حفظ هویات الضحایا.