أمد/ في السنوات الأخيرة، شهدت إسرائيل صعودًا متزايدًا للأحزاب الدينية المتطرفة التي تتبنى خطابًا دينيًااستيطانيًا عنيفًا، مما أدى إلى تغيير جذري في طبيعة الصراع مع الفلسطينيين.

لم يعد الأمر يتعلق فقط بـ”الأمن” أو “السياسة”، بل تحول إلى صراع وجودي ذى أبعاد دينية وعنصرية، حيث يُنظر إلى الفلسطينيين على أنهم “عماليق” (أعداء شعب الله حسب الرواية التوراتية المحرفة) ويجب محاربتهم وإبادتهم أو طردهم وتهشيم جماجم أطفالهم فوق صخرة بالحجر.

الإسباب الرئيسية: صعود اليمين الديني المتطرف في إسرائيل.

أ. الأحزاب الدينية المسيطرة على المشهد السياسي.

حزب “الصهيونية الدينية” (بزعامة سموتريتش وحزب العظمة اليهودية بزعامة إيتمار بن غفير):

يتبنون خطابًا عنصريًا صريحًا يدعو إلى طرد الفلسطينيين من ارضهم الفلسطينية،و ويدعون إلى ضم الضفة الغربية كاملةً.

كما يعتبر الوزير المتطرف/بن غفير أن الفلسطينيين “غير بشر”ويجب التعامل معهم بعنف مطلق ومنع عنهم الطعام والغذاء والهواء.

التيار الحريديم المتطرف (مثل يهودية التوراة وشاس):

يدعمون الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة والأغوار،ويرفضون أي حل سلمي، معتبرين أن أرض “إسرائيل الكبرى” ملك لليهود بحق إلهي وهي تمتد إلى سوريا والعراق والاردن (حلم اسرائيل الكبرى).

ب. تأثير هذه الأحزاب على السياسة الإسرائيلية

تسليح المستوطنين: تشجيع هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت حماية الجيش عبر حرق القرى الفلسطينية وقلع أشجار الزيتون وسرقة ممتلكات الفلسطينيين وحرق سياراتهم.

تأجيج الخطاب الديني في جيش الاحتلال : بعض وحدات الجيش الإسرائيلي تتبنى شعارات مثل “الثأر التوراتي” أثناء عملياتها الأجرامية في قطاع غزة.

إضفاء الشرعية الدينية على جرائم الحرب:

بعض الحاخامات (مثل حاخامات “عطيرت كوهانيم”) يدعون إلى تدمير قطاع غزة بالكامل باعتبارها “أرض عماليق”وقتل الأطفال الفلسطينيين لأنهم أبناء العماليق.

2. “الحرب التوراتية” الإسرائيلية ضد الفلسطينيين باعتبارها العماليق الجدد.

أ. كيف يُستخدم السرد التوراتي لتبرير العنف؟

في العهد القديم (التوراة المحرفة)، العماليق هم أعداء بني إسرائيل، الذين أمر الله بقتالهم وإبادتهم كما جاء في تحريف(سفر صموئيل الأول 15: 3). اليوم، يتم تصوير الفلسطينيين (خاصة في قطاع غزة) على أنهم “عماليق العصر الحديث”، مما يعطي غطاءً دينيًا لـ:

تدمير شامل لقطاع غزة (كما يحدث الان في العدوان الاسرائيلي منذ السابع من اكتوبر عام 2023والى الان بعد مرور اكثر من 600 يوم على العدوان والإبادة الجماعية في غزة).

منع أي حل سياسي لأن “الله منح الأرض لليهود المسيانين اتباع النبي اسرائيل (يعقوب)”.

تسويغ جرائم الحرب في قطاع غزة باعتبارها “وصية دينية” للقضاء على أطفال العماليق الفلسطينيين .

ب. تأثير هذا الخطاب على المعنويات الإسرائيلية داخل المجتمع الاسرائيلي:

تجنيد المتدينين المتطرفين في الجيش: إنشاء وحدات متطرفة دينيا مثل “ناحل حريدي” تتبنى أفكارًا استئصالية ضد الفلسطينيين.

تأييد الرأي العام الإسرائيلي للعنف: استطلاعات الرأي تظهر أن (أغلبية الإسرائيليين) يؤيدون تدمير قطاع غزة أو تهجير سكانها نحو مصر او ليبيا بوازع الانتقام لما حدث في معركة طوفان الأقصى .

3. الاستيطان كـ”مشروع مقدس” في القدس المحتلة والضفة الفلسطينية:

أ. الزيادة الكبيرة في البؤر الاستيطانية وقرار الحكومة الإسرائيلية المتطرفة ببناء 22 مستوطنة عام 2025 في الضفة والقدس.

منذ 2022، في حكومة نتنياهو تمت المصادقة على آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية والأغوار والقدس.

المستوطنون المتطرفون (مثل ” شباب التلال المتطرفين المسيانيين”) يهاجمون القرى الفلسطينية بشكل منتظم تحت حماية الجيش وبدعم من بن غفير وسموتريتيش الذي يعيش في مستوطنة في الضفة.

ب. الاستيطان في الضفة والقدس وغزة كجزء من “المشروع التوراتي المحرف”

يعتبر المتطرفون المسيانيين أن الاستيطان “تحقيق لوعد إلهي”، وليس مجرد سياسة أمنية تابعة لحكومة الاحتلال الاسرائيلي .

بعض المستوطنين يؤمنون بضرورة بناء”الهيكل الثالث المزعوم” ويسعون لبناءه مكان المسجد الأقصى، مما يزيد من تأجيج الصراع بشكل مستمر ومحاولة تهويد مدينة القدس وفرض التقسيم المكاني والزماني للصلاة في المسجد الأقصى.

4. السؤال هل هذه السياسات تخدم إسرائيل أم تدمرها؟

اولا/المخاطر على إسرائيل:

عزلة دولية متزايدة:

اتهامات لاسرائيل انها دولة مارقة وترتكب جرائم حرب وانتهاكات ضد الإنسانية في قطاع غزة.

تفكك المجتمع الإسرائيلي: انقسام من الداخل بين اليهود العلمانيين والمتدينين المتطرفين من الحريديم.

تصعيد دائم ضد الفلسطينيين: أي حل سلمي يصبح مستحيلًا مع هيمنة الخطاب الديني الاستئصالي للأحزاب الدينية المتطرفة في اسرائيل .

ثانيا/المخاطر على الفلسطينيين:

تصفية أي أمل بدولة مستقلة عبر نشر الاستيطان فوق الأراضي الفلسطينية ومنع التواصل الجغرافي بين غزة والضفة، وزيادة الضغط والقتل عبر زيادة وتيرة العدوان العسكري المتكرر بشكل دوري حتى لا يشعر الفلسطينيون بالراحة.

تدمير الهوية الوطنية الفلسطينية عبر سياسات التهجير القسري.

وختاما لما سبق، هناك سؤال يطرح نفسه،هل نحن أمام “نهاية المشروع الصهيوني” أم تحوله إلى فاشية دينية؟

ام ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تتجه نحو (مستقبل خطير) بسبب حكومة نتنياهو وهيمنة المتطرفون الدينيون على القرار السياسي والعسكري، مما يحول الصراع من نزاع سياسي إلى (حرب دينيةتوراتيةعرقية قد تؤدي إلى:

1. تطهير عرقي كامل للسكان الأصليين من الفلسطينيين داخل اسرائيل نفسها، وايضاً في الضفة الغربية وقطاع غزة والدعوة للتهجير القسري كما تريد الصهيونية العالمية .

2. انهيار أي فرصة لسلام في المنطقة رغم توقيع اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية، وهذا الانهيار بسبب رفض المتطرفين الحريديم لفكرة التعايش او توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين .

3. تحول إسرائيل إلى دولة ثيوقراطية عنصرية تشبه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا .

السؤال الاستشرافي الأكبر: هل يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحول الخطير مما يحدث من إبادة جماعية في قطاع غزة، وتفشي الاستيطان في الضفة والقدس المحتلة ؟

شاركها.