إسرائيل بين عزلة دولية وتخبط داخلي: جنون المواجهة في وجه الاستحقاقات السياسية

أمد/ تشهد إسرائيل مرحلة دقيقة من التخبط السياسي والاستراتيجي، بعد أن أصبح واضحًا أن معظم دول العالم باتت ترى في استمرار الدعم غير المشروط لتل أبيب عبئًا لا يخدم مصالحها في ظل المتغيرات الدولية الراهنة. فمع تزايد الضغط العالمي باتجاه إيجاد حل جذري للصراع في الشرق الأوسط، لم تجد إسرائيل أمامها سوى الانزلاق نحو سياسات متطرفة ومحاولات التشويش على المسارات السياسية، عبر التصعيد أو التحالف مع جهات هامشية فاقدة للشرعية أو تعاني من أزمات وجودية مشابهة.
وفي هذا السياق، تشير تطورات المشهد الدولي إلى حراك أوروبي لافت تقوده فرنسا، بالتنسيق مع السعودية ودول أخرى، استعدادًا لانعقاد المؤتمر الدولي في نيويورك أواخر يونيو المقبل، والذي يأتي تحت عنوان “حل الدولتين: مسار بلا رجعة”. هذا التحرك لا يعكس بالضرورة تعاطفًا مع الضحايا في غزة، بقدر ما يعكس رغبة أوروبية في كسر الهيمنة الأمريكية على ملف التسوية، وإعادة التموضع في ملف الشرق الأوسط، لا سيما مع تصاعد الانتقادات لسلوك إسرائيل العسكري والإنساني.
إزاء هذا التحول، تسعى إسرائيل إلى خلط الأوراق بأي وسيلة ممكنة، سواء بمحاولات إعادة احتلال قطاع غزة أو حتى التحرش بإيران، في محاولة يائسة لتعطيل مخرجات المؤتمر الدولي. ومع ذلك، فإن هذه السياسات باتت تصطدم بمعارضة داخل معسكرها السياسي، لا سيما من قوى اليسار الصهيوني التي باتت ترى ضرورة إنقاذ الكيان الإسرائيلي عبر تسوية تحفظ أمنه وبقاءه ضمن الحدود المقبولة دوليًا.
في الداخل، تتعمق أزمة الحكم في إسرائيل، حيث دفعت دعوة رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ في أبريل الماضي لعقد صفقة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقوم على وقف الحرب مقابل خروجه الآمن من المشهد السياسي إلى تصعيد غير مسبوق، اعتبره البعض بمثابة خيار “الانتحار السياسي والجماعي”، الذي يهدد بتفكك الحكومة والدولة معًا.
في موازاة ذلك، تروج بعض الدوائر الإسرائيلية لفكرة إحياء التفاوض مع بعض الشخصيات الفلسطينية التاريخية في الأردن، في محاولة لتمرير مشاريع فدرالية جديدة (ثنائية أو ثلاثية)، للهروب من استحقاقات مؤتمر نيويورك المقبل.
أما على الساحة الأمريكية، فتبدو واشنطن مصرّة على إضعاف نتنياهو سياسياً، وفضح سلوك إسرائيل الميداني، تمهيدًا لإعادة تشكيل صورتها ودمجها لاحقًا ضمن خارطة شرق أوسطية جديدة، لا تحتمل السياسات المتطرفة وغير القابلة للاستمرار.
ورغم صعوبة التنبؤ بنتائج مؤتمر نيويورك أو توقيت التسوية، فإن مجرد انعقاده تحت العنوان المطروح يحمل دلالة قوية على اقتراب تحوّل جذري في المشهد السياسي الإقليمي، سيطال على الأرجح جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء.