إدارة ترامب لا تبشر بالسلام
أمد/ كتبت قبل أيام قليلة عن أحد محددات استشراف سياسة إدارة الرئيس ال47 للولايات المتحدة الأميركية الجديدة، وهو مركبات شخوص الإدارة للتقرير في مستقبل سياساتها تجاه الملفات الداخلية والدولية، ومن الجلي أن اختيار الرئيس دونالد ترامب لأركان ادارته لا يبعث على التفاؤل بالتغيير المنتظر تجاه ملف الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لا سيما وان الأشخاص المؤثرين في رسم سياسة الإدارة في الملف الأخير تحديدا، جميعهم من أنصار الصهيونية واليمين الافنجليكاني المتطرف، واعداء السلام، ومنهم، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي الى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وسفيرة اميركا في الأمم المتحدة، اليس ستيفانيك، التي وصفت الهيئة الأممية بأنها “مستنقع لمعاداة السامية” بسبب تنديدها بسقوط قتلى في قطاع غزة، ووزير الخارجية، ماركو ربيو، المؤيد القوي لإسرائيل، الذي قال فيما سبق من هذا العام، انه لن يدعو الى وقف اطلاق النار في قطاع غزة، واعتبر كل من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي بمثابة “حيوانات شرسة”، والسفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، القس الافنجليكاني المتصهين، وحاكم ولاية اركنساس السابق ما بين عامي 2016 / و2019، بالإضافة الى غالبية مكونات ادارته المعروفين بصهيونيتهم المعلنة.
وادا توقفنا امام شخصية السفير الأميركي في إسرائيل، هاكابي، صاحب المواقف البشعة والكريهة والمعادية كليا للشعب العربي الفلسطيني، ويرفض حقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير على ارض وطنه، ويدعو صراحة الى نفيه وتوطينه في الدول العربية أو الإسلامية المؤيدة له، ودعا إسرائيل الى ضم الضفة الفلسطينية، ويرفض استخدام تسميتها بالضفة الغربية، بل يستخدم المصطلح الإسرائيلي “يهودا والسامرة”، وحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، يصر على تسمية المستعمرات الإسرائيلية بالمجتمعات او الاحياء، وأكد ان إدارة ترامب ستعمل على ضم الضفة لإسرائيل، ويدعو لإدامة الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، الامر الذي يكشف مستقبل السياسة الاميركية القاتم والأخطر على السلام
ومما دونه الرئيس الأميركي القادم على موقعه “تروث سوشيال” عن شخص هاكابي، بأنه داعم ومؤيد قوي لإسرائيل، وهو مسيحي انجيلي، سيعمل بلا كلل من “أجل تحقيق السلام” في الشرق الأوسط، واصفا إياه بانه موظف عام “عظيم” يحب إسرائيل وشعب إسرائيل، وبالمثل فإن شعب إسرائيل يحبه. وهذا معيار قبيح واسود لمستقبل السلام، وليس العكس.
ولا يعرف المرء، عن أي سلام يتحدث الرئيس ترامب؟ هل هو سلام صفقة القرن المشؤومة، التي دشنها في ولايته الأولى، أم صفقة قرن محسنة؟ وما هي معايير تعديلاتها المحسنة؟ هل في مواصلة التطبيع العربي المجاني مع إسرائيل، وعلى حساب حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني؟ وهل ستتدارك ادارته عثرات ومصائب الصفقة المصادق عليها في مطلع عام 2020، ام سينحو نحو السلام الممكن والمقبول على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية؟ وماذا عن دعوته المتكررة عن وقف الإبادة الجماعية في فلسطين؟ وماذا عن اليوم التالي لحرب الأرض المحروقة؟ وما هي السياسات التي ستنتهجها ادارته تجاه الشعب الفلسطيني؟ وهل سيفي بوعوده المكتوبة والموقع عليها امام الجاليات العربية والإسلامية في مدينة ديربورن في ولاية ميشيغان عشية الانتخابات في 5 تشرين ثاني / نوفمبر الحالي؟
وتجاهلت رولا مكي، الأميركية من أصل لبناني، ونائبة رئيس لجنة العلاقات العامة للحزب الجمهوري في ميشيغان انتقادات زعماء الجاليات العربية والإسلامية، الذين خيبت آمالهم تعيينات ترامب لشخوص ادارته، وقالت ” لا أعتقد ان الجميع سيكونون سعداء بكل تعيين يقوم به ترامب، لكن النتيجة هي ما يهم … اعلم أن ترامب يريد السلام، وما يحتاج الناس الى اداركه هو ان هناك 50 ألف قتيل فلسطيني و3 الاف قتيل لبناني، وهذا حدث خلال الإدارة الحالية.” تقصد إدارة جو بايدن، وكأنها تبرأ إدارتها من المسؤولية سلفا، وبالتالي الرقم المهول من الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين، المعروف لديهم، لا يعنيهم. ولكن ما هو السلام الذي يريده رئيسها وادارته المثخنة بالعناصر الصهيونية وحزبها الجمهوري؟
عندنا مثل شعبي يقول “المكتوب يقرأ من عنوانه”، وعنوان الإدارة القادمة ونموذجها السفير الملتحم بالصهيونية، يشي بأنها ستكون وبالا على السلام والاستقرار في المنطقة، وستتخذ الإبادة الجماعية اشكالا أخرى أكثر وحشية مع الإعلان عن ضم الضفة الفلسطينية لإسرائيل، خاصة وان الرئيس ال47 اعلن انه سيعمل على توسيع مساحة إسرائيل، لأن مساحتها صغيرة، واين سيعمل على توسيعها؟ هل سيوسع حدودها في مياه البحر المتوسط، أم على حساب الدول العربية الأخرى وخاصة لبنان وسوريا والأردن والعراق ومصر والسعودية؟ وهل الدولة الفلسطينية القائمة والواقعة تحت نير الاستعمار الإسرائيلي والدولة اللبنانية الصغيرة جدا أيضا هل هما ظاهرتان على الخارطة؟ ولماذا لا يلتزم ترامب بخيار السلام وفق قرارات الشرعية الدولية والفتوى القضائية لمحكمة العدل الدولية والمعتمدة في قرار الجمعية العامة في 18 أيلول / سبتمبر الماضي، ويكف عن مداهنة دولة إسرائيل الخارجة على القانون، ويعزز حماية التعايش والتسامح والسلام بين شعوب المنطقة؟
وهناك مثل شعبي آخر يقول ” اللي جَّرب المجرب عقله مخرب”، وبالتالي الافتراض بإمكانية إحداث تحول في إدارة الرئيس ترامب مغايرة لتجربة إدارته السابقة، والتي كانت لعنة على السلام في الوطن العربي والشرق الأوسط، وأحدثت تعميقا لازمات الإقليم عموما وفلسطين خصوصا، هو افتراض غير واقعي، وبالتالي تملي الضرورة فضح وتعرية الإدارة القادمة، والتشهير بالسفير هاكابي الافنجليكاني المتصهين، وارسال رسالة عاجلة للرئيس المنتخب تطالبه باعتذار سفيره عن تصريحاته المتواطئة مع إسرائيل اللقيطة، وإصدار تصريح رسمي من الهيئات القيادية في الرئاسة ومنظمة التحرير ضد تصريحات هاكابي، الذي يشكل خطرا اشد لعنة وبؤسا من ديفيد فريدمان، السفير الأميركي الأسبق والمستوطن الاستعماري في احدى مستعمرات الضفة الفلسطينية. لأنه لا يجوز الصمت على تلك المواقف العدائية والوقحة.