أَطْفَالُ فِلَسْطِين.. طُفُولَةٌ مَعَ وَقْفِ التَّنْفِيذِ!

في الخامس من أبريل من كل عام، يحتفل الفلسطينيون بـ"يوم الطفل الفلسطيني"، لكنه ليس احتفالًا عاديًا مليئًا بالبهجة كما في بقية بلدان العالم. بل هو يوم مغموس بالحزن والدم، يغلب عليه وجع الغياب، وغصّة الطفولة المسلوبة، وصرخات أطفال لم يعرفوا من العالم سوى أزيز الرصاص، وزمجرة المدافع، وظلال الطائرات في المساء.
أطفال فلسطين لا يصحون على أصوات العصافير، بل على هدير الدبابات. لا ينامون على ألحان ناعمة، بل على أنغام الانفجارات وقصف البيوت. ألعابهم ليست دمى أو سيارات صغيرة، بل بقايا قذائف وصواريخ. مدارسهم صارت أنقاضًا، وأحلامهم المعلّقة على نوافذ الخيال، قُطعت خيوطها بنيران الحصار والعدوان. إنهم جيل لم يعرف الطفولة يومًا، جيل نشأ على الخوف والجوع والحرمان، وكبر قبل أوانه. لقد صادر الاحتلال طفولتهم كما تُصادر الحياة من زهرة في مهدها، وسُحقت براءتهم تحت جنازير الحرب، وباتت قلوبهم الصغيرة تتحمل ما لا تطيقه الجبال.
فبحسب تقارير حقوقية، استُشهد مئات الأطفال خلال السنوات الأخيرة، وجُرح الآلاف، واعتُقل المئات، بعضهم دون الرابعة عشرة، وتعرّضوا للضرب والتعذيب والشبح والحرمان من الطعام والدواء، وعانوا من التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون. فإسرائيل، رغم اعترافها بالطفل حتى سن الثامنة عشرة، لا تطبق ذلك على أطفال فلسطين، بل تنظر إليهم كمخربين صغار وتجردهم من إنسانيتهم.
وتتناقض هذه الممارسات الصارخة مع الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل (1989)، التي تنص على حماية الأطفال وتوفير بيئة آمنة لهم. لكن الاحتلال الإسرائيلي يضرب بهذه المواثيق عرض الحائط، ويستمر في انتهاك حقهم في الحياة والتعليم والرعاية والكرامة.
ومع تكرار العدوان، تتزايد الحاجة لتدخل دولي جاد. لم تعد المطالب مجرد شعارات، بل نداءً إنسانيًا بضرورة وقف استهداف الأطفال، وإنهاء الحصار، وتقديم الدعم النفسي والطبي لهم. إنهم لا يحتاجون فقط إلى الغذاء والدواء، بل إلى الأمل، إلى فرصة لبدء حياة طبيعية كغيرهم من أطفال العالم.
ورغم هذا الواقع المأساوي، لا تزال الطفولة في فلسطين تمشي على قدمين صغيرتين نحو النور. صمود أسطوري يسكن ملامحهم، وإصرار على الحياة ينمو بين أنقاض البيوت، في الأزقة، وتحت أشجار الزيتون. لا شيء يوقف الطفل الفلسطيني عن الحلم، لا الحصار، ولا الجوع، ولا الموت. هو جندي الأمل، يمسك بحلمه الصغير كمن يمسك بحياة كاملة، ويرفض أن يُسحق تحت وطأة القهر.
لكن في خضم هذا الواقع المأساوي، يظل الصوت الأسمى هو صوت الطفولة التي لم تُطفَأ نيرانها. هكذا يبدو المشهد في فلسطين، لكن تختصره كلمات قليلة، ترسم وجع الطفولة المسلوبة والمذبوحة:
طُفُولَةٌ وُئِدَتْ..
فَبِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟!
أَحْلَامٌ اُغْتِيلَتْ..
وَمُسْتَقْبَلٌ ضَائِعٌ..
صُمُودٌ أُسْطُورِيٌّ!
ختامًا: في فلسطين، لا تُقاس الطفولة بالسنوات، بل بالنجاة من مجازر متكررة، وبالقدرة على انتزاع الفرح من بين أظافر الموت. يوم الطفل الفلسطيني ليس مجرد ذكرى؛ بل هو مرآة لخذلان العالم، وشاهد على انتهاك البراءة في وضح النهار. فلنكتب أسماءهم في دفاتر التاريخ، لا على شواهد القبور. ولنجعل من هذا اليوم بوابة نحو فعل حقيقي، يعيد لهم شيئًا من حقوقهم، ويمنحهم بعض ما يستحقون من أمان وسكينة. لأن من لم يُنقذ طفلاً، فقد خسر إنسانيته.