أين حركة فتح من مخيم جنين وقطاع غزة؟
أمد/ صحيح أن الجميع يطلق عليها “أم الجماهير” منذ انطلاقتها قبل عشرات السنوات، لأنها الحاضنة لكل أبناء الشعب الفلسطيني منذ بدء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهي الآمرة والناهية في الكثير من القضايا، حتى اعتبرها الجميع صمام الأمان للقضية الفلسطينية برمتها، إلا أن الغريب في الأمر أن دورها أضحى ضعيفًا مثلها مثل باقي الفصائل، بدءًا بحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من 15 شهرًا، وليس انتهاءً بأحداث مخيم جنين الأخيرة.
صحيح أنه لا يجوز مقارنة حركة فتح بباقي الفصائل الفلسطينية، ليس استهانةً بها ولكن لأنها حاضنة للكل الفلسطيني، من أقصى يسارهم حتى أقصى يمينهم، خصوصًا وأن دور الفصائل كان ضعيفًا في غزة وجنين على حد سواء، فكان لزامًا على فتح أن تكون الأولى في كل شيء فيما يخص الكل الفلسطيني.
والأجدر أن تكون فتح الأولى في حل أزمة مخيم جنين بين المسلحين والأجهزة الأمنية، وهي الأولى في مساعدة أبناء شعبنا في قطاع غزة عن طريق تأمين المساعدات التي تدخل القطاع وتتعرض للسرقات، وإقامة مخيمات الإيواء واحتضان كل النازحين.
لنبدأ بأحداث مخيم جنين التي مر عليها الشهر تقريبًا، والتي أصبحت مقلقة جدًا من إمكانية تدهور الأوضاع لخانة لا يريد أحد أن نصل إليها، فالكل هناك لا يريد إطلاقًا أن تذهب الأمور بعيدًا، وإن كل قطرة دم من أي فلسطيني تُراق في معارك جانبية هي طعنة أخرى في ظهر غزة التي تواجه مقتلة كبرى منذ خمسة عشر شهرًا. لذلك، فإن حل مشكلة مخيم جنين يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يأخذ بعين الاعتبار الظروف المعقدة التي تعيشها الضفة الغربية، بما في ذلك الأبعاد السياسية والاجتماعية والأمنية.
إن الخيار الأفضل لحل مشكلة مخيم جنين يعتمد على تحقيق التوازن بين الحزم الأمني والحوار السياسي والاجتماعي، فالحزم الأمني يعني استخدام أجهزة الأمن وفرض القوة، ولكن قد يؤدي إلى تصعيد المواجهات والعنف، وقد يزيد من فقدان الثقة بين السكان المحليين وأجهزة الأمن، ويمكن أيضًا أن يستغل الاحتلال الإسرائيلي الوضع لتبرير تدخلاته.
أما تدخل حركة فتح، التي تمتلك جذورًا مجتمعية في المخيم، لحل المشكلة، فإن هذا سيسهل التواصل مع الفصائل والأفراد، وقد يُساهم في تهدئة التوترات بشكل أقل تصادمًا، وتعزيز صورة فتح كقوة سياسية مسؤولة، وهذا طبعًا يعتمد على مدى وحدة حركة فتح ومصداقيتها في المخيم.
إن الخيار الأفضل للجميع في جنين هو فتح المجال للحوار المجتمعي والسياسي بقيادة حركة فتح، مما يعزز الثقة ويخلق قاعدة للحل طويل الأمد، ودعم هذا الحوار بوجود أمني محايد وذكي لضمان تطبيق القانون وحماية المجتمع من أي تصعيد، مما يقلل المخاطر الأمنية والسياسية ويوفر حلولًا مستدامة بدلًا من اللجوء إلى القوة فقط، التي قد تؤدي إلى تعقيد المشكلة بدلًا من حلها.
أما بالنسبة لقطاع غزة، فإن وجود حركة فتح في الميدان يكاد يكون مختفيًا، رغم أنها تمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة في القطاع، بالإضافة إلى 70 ألف موظف للسلطة الفلسطينية الذين يمكن أن يساهموا في أن يكون لها دور بارز وواضح في حل المشاكل التي يعاني منها القطاع جراء الحرب المستعرة، وأبرزها مشكلة سرقة المساعدات.
أستغرب كثيرًا غياب دور حركة فتح في تأمين المساعدات، بل وتوزيعها على المحتاجين والنازحين، أستغرب غيابها عن إقامة مخيمات لاحتضان النازحين في جنوب القطاع ووسطه، بل إن المستهجن أيضًا غيابها عن فرض نفسها في الميدان وتأمين الشوارع وإعطاء أوامر لموظفي السلطة بالنزول إلى الشوارع لتأمين السير والمرور ومساعدة الناس، بهذا الأمر يمكن أن تعود حركة فتح إلى الواجهة من جديد، وإلا فإن وجودها سيكون مشكوكًا فيه بعد الحرب.
إن استمرار غياب حركة فتح عن الواجهة في قطاع غزة الذي يعاني من حرب إبادة، ومخيم جنين الذي يشهد أحداثًا مؤسفة، سيضر بقاعدتها الجماهيرية بكل تأكيد فيما بعد، وإذا لم تلحق الحركة نفسها، فإن فصائل أخرى قد تكون تستحق مكانتها كـ”حاضنة للكل الفلسطيني” فيما بعد.
وطالما أنها غير موجودة، فإن الآخرين سيكونون موجودين.. فهل يتعلمون الدرس؟