أمد/ تتجدد التساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء امتناع بريطانيا عن الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، رغم ما جرى من تصويت رمزي لصالح الاعتراف في مجلس العموم البريطاني عام 2014، وامتناعها المتكرر عن التصويت في الأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، برزت رواية مثيرة للجدل، مفادها أن بريطانيا تخشى من الاعتراف القانوني بفلسطين خشية المطالبة بأرصدة مالية ضخمة كانت مودعة لدى “سلطة النقد الفلسطينية” قبل عام 1948، وتُقدّر اليوم بعشرات المليارات من الدولارات.

تاريخيًا، أنشأت سلطات الانتداب البريطاني سلطة النقد الفلسطينية عام 1927، كجهة مسؤولة عن إصدار الجنيه الفلسطيني، الذي جرى تداوله في عموم فلسطين الانتدابية. وقد جرى ربط الجنيه بغطاء من الذهب والعملات الأجنبية، وأودعت الأرصدة لدى بنك إنجلترا ومؤسسات مالية بريطانية. وبحلول منتصف عام 1948، بلغت قيمة هذه الأرصدة حوالي 138 مليون جنيه فلسطيني، وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذلك الزمن.

مع انتهاء الانتداب وقيام “إسرائيل”، جرى تجميد هذه الأرصدة من قبل بريطانيا، على اعتبار أن لا وجود لجهة قانونية فلسطينية مخوّلة باستلامها. في المقابل، حصلت كل من إسرائيل والأردن على استبدال ما كان بحوزتهما من الجنيهات الفلسطينية بما يعادلها من الذهب أو العملات الأجنبية. بينما تُركت الأرصدة الفلسطينية الأصلية مجمّدة في بريطانيا، بانتظار ظهور “خلف قانوني” لحكومة فلسطين.

يشير بعض القانونيين، مثل المحامي محمد الصبيحي، إلى أن الاعتراف البريطاني بدولة فلسطين سيُرتّب عليها التزامًا قانونيًا بإعادة هذه الأموال إلى الدولة المعترف بها، وهو ما قد يفتح الباب أمام مطالبات مالية كبيرة، تتجاوز في بعض التقديرات 70 مليار دولار، وربما أكثر عند احتساب الفوائد. إلا أن هذه الأرقام تظل محل جدل، ويشكك خبراء اقتصاد في دقتها وتراكمها المفترض.

ومع وجاهة الطرح القانوني بضرورة استرداد الأرصدة الفلسطينية، إلا أن ربط ذلك مباشرةً بموقف بريطانيا السياسي من الاعتراف يبدو مبالغًا فيه.

فالسياسة الخارجية البريطانية ترتبط إلى حد بعيد بالتحالفات الدولية، خصوصًا مع الولايات المتحدة، والمصالح الاستراتيجية مع إسرائيل، وليس فقط بالاعتبارات المالية.

مع ذلك، تبقى هذه القضية ملفًا مهمًا ومهملًا في سياق النضال الفلسطيني لاسترداد الحقوق، سواء السياسية أو الاقتصادية.

وقد يكون الاعتراف الدولي المتزايد بفلسطين فرصة لتحريك هذا الملف قانونيًا أمام المحاكم البريطانية والدولية، في إطار الجهد الأوسع لإعادة الاعتبار للحقوق الفلسطينية المغتصبة منذ النكبة وحتى اليوم.

شاركها.