اخر الاخبار

أفكار  قديمة أمد للإعلام

أمد/ في الحلم…العديد من الامنيات تتحقق ،لكننا نكتشف على الفور، كم هو عميق الوهم، انطلاقا من هذا الشعور العام الذي يثيره مظهر العالم الخارجي، رأى المواطن أن من الأفضل أن لا يفكر في الحياة بمعزل عن الموت، ولفرط ما طال به التأمل اغتنى بانطباعات تخصه. فلا تطل عليه نجمة الصبح كي تشعره بأنه ما زال حيا، مثل إنسان منهك ركض مسافة طويلة.يعود لكي يتجهّز للذهاب للمحرقة. معظم الناس في حالة يرثى لها، حياة مظلمة، واليأس تسرب في فضول. وكما هي العادة لا يوجد نظام ،فتعود وتعود معه الناس على وجوه وكلمات فارغة من موالسة الخراب واتحاد ملاك القضية كما يتعود المرء على عاهته.

أحيانا يكون قد أكمل هواجسه: كيف يمكنه أن يتحمل زنخة الموالسة. مع الحصار والجوع والمحرقة؟ أي قوة ستساعده على أن يستمر في ذلك المكان الكئيب؟ لماذا عليه أن يستمر في تلك الحيرة المثيرة؟ أما من أحد ينتشله من الوضع الذي يعيشه؟ فحكم موالسة الخراب. واتحاد ملاك القضية بكل شروره وفساده، هو الخراب الكامل الشامل. عقول مغلقة، افكار وهمية…ربما يتفاوتون فى درجة الفساد والدجل؛ ربما يتفاوتون فى مستوى الغباء السياسي، ربما يتفاوتون فى درجات الفساد ربما كان احدهم وطنيا و الآخر تنطبق عليه كل مواصفات الدجال.. لكنهم جميعا لا يصلحون. لا أمل فعلا…و لا قبل لأحد بما هو قادم. ربنا يتولانا.

قلت له: حين تبدأ الجرائم في التراكم، تصبح غير مرئية..وحين تصبح العذابات غير محتملة، لا تعود الصرخات تُسمع”.كان طموح وقارئ. ما ينقصه في معتقل الجنوب، أن تصاحب الحيلُ طموحه؛ فمهما يكن شأن تفوق الفرد الفكري تحت حكم موالسة الخراب، أو اتحاد ملاك القصية فإن تفوقه يعجز أن يكون في مستوى ما يستحقه من دون حيل تتفاوت في حظها من الخسة والحزبية والدناءة.

فهناك من هو محسوب ضمن نخبة المثقفين، لكنه في رأيي نموذج للمثقف ناقص الوعي؛ فالثقافة ليست فقط كُتبًا تٌقرأ ولكن يلزمها عقلُ مُتفتح ومُنفتح يعرف كيف يُفكر بموضوعية ومنطقية. في ظل تسمم الأجواء بعد تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني، و الانحدار بالسياسة إلى مستوى الابتذال، والانزلاق نحو الشعبوية، واستغلال عواطف الناس وتضليل الرأى العام من خلال شعارات جوفاء براقة، أمر بالغ الضرر بالمصالح الوطنية العليا وبمستقبل الوطن ذاته. أن وجد؟

مع الأيام أضحى المشهد  مألوفا عنده كمواطن مهدور الدم والحياة  تحت رحمة ثالوث الشر والكراهية والفساد، من صهاينة إلى موالسة الخراب واتحاد ملاك القضية

اصحاب الفساد والأفساد. ففي بدايات تنفيذ مخطط الانقسام والخراب الصهيوني، لم يكن يثير في ذهنه أي أفكار، لكن مع تنامي الأيام حدث شيء ما. يكفي أن يشاهد نتائجه حتى يتملكه إحساس بأنه غير محظوظ. لا يعيش أحلامه التي كونها في شبابه، إنما يعيش كعجوز هرم تحولت أحلامه إلى محرقة بلا ذكريات.

بعد كل محرقة مخطط  له يسأل: ماذا فعل حتى وصل إلى هناك؟ وماذا فعل حتى يبقى هناك؟ إلى متى يستمر الوضع على ما هو عليه؟ تشغل الأسئلة فكره، حتى عندما يغلبه نعاس لا يدوم أكثر من لحظة؛ تتلاشى أسئلته، ويصبح إحباطه بلا معنى، حينما يتذكر عدل الموت الذي يقبض الكل بدون تمييز. يجد عزاءه في أن البشر جميعهم سيموتون، وأن من يملك هو في الحقيقة لا يملك ما هو فيه، إنما يستعيره من شخص آخر سيأتي بعده، وأن الحرية لا تكمن في الأشياء الكبيرة، بل في الأشياء الصغيرة المختفية بالقرب منا، فقط علينا أن نبحث عنها حتى لا تفوتنا إلى الأبد.

حينما ينتهي من حالة الفكر ، يكون قد قلب أفكاره رأسا على عقب. ليس الموت نهاية البشر. لا يموت الميت، إنما يعيش في ذاكرة من يعرفونه. من يملك يقبع في ذاكرات شتى. يكثر محبوه ومعارفه ومريدوه وخاصته، ولا بد أنه يشعر بسعادة وهو يموت؛ لأنه خالد في ذاكرة الناس. 

      

حينما يصل إلى فكرة الخلود لا يعود الموت ولا السعادة المختفية مهدئين مناسبين، فهو لا يختلف عن أؤلئك الذين يخلدون. لم يخلق ليكون رجلا منسيا، حينئذ يهرع إلى قدره. يطمئن نفسه بأن حياته ستسير على ما هي عليه، وأنها دوما وستكون دوما كما أرادها الله، إذن لماذا يتعب نفسه، وهو يعلم أن في القدر كل شيء ممكن، وأن كل شيء يأتي ليبرر أي شيء.

في معتقل الجنوب، و قبل المحرقة الحالية، لا شيء يفعلونه سوى ضبط الناس على أي برنامج خارجي ممول. يكافأ الموطن المنضبط والمطيع، ويعاقب أي فكر او رأي مستقل. يفترضون في هذا التعيس بهم والمحاصر منهم وبهم، ألا يفكر، إنما يطيع. فلا أحد يكترث، لكن فيما لو  يعاقب أشد العقاب. هناك طرق سيطرة ماكرة، فقيمة هؤلاء من قيمة التمويل، هم قادرين على أن يطيعوا الأوامر، وأن يعملوا ما يطلب منهم. ما يميز المواطن السلبي هو المصالح الخاصة فقط، لكن لا حياة لمن ينادي. فقد تحلى  بروح الإنسان الذي أرهقه العذاب، وحطمه الظلم. لا يفعلون شيئا. كما لو أنهم يريدون أن يقولوا: إذا كان الظلم والقهر والألم قد عشش في دواخلنا فكيف سننتقم؟!

لا يوجد في في المحرقة وقت كاف لكل الأشياء. هنا الجميع ينتظر الموت ثم ينام. يصحو. يقرأ الوجوه، ثم إذا ما أعجبته فكره يغلق الكتاب ليفكر في الفكرة. ثم يعود إلى القراءة. وفي بعض الأحيان ينحي افكاره لأن قلبه عاجله قلبه بخاطرة من تلك الخواطر التي تراود القلوب، خاطرة تكشف له أن البشر ضحايا لمصير واحد، محنة نتقاسمها، وهي أن يبقى العالم على حاله..استمد جوعه مما هو متاح، ولم يكن يرهق نفسه أو يطمح إلى الشبع، الشبع من الأمور غير المتاحة. رأى أن الانسان تحت حكم هؤلاء ليس له قيمة؛ ويفتقد إلى الدافع القادر على تحطيم قشرة الأشياء الصلبة.

يأتي أشخاص  ثم يذهبون. زمن المحرقة الصعب… فوضى صاخبة، وفضاؤه فضاء للحدود الوحشية الإنسانية. استعارة للإنسان غير المستقر، وإحساس بالرحيل الدائم. حين يقضي المواطن جل وقته بقلب المحرقة مثله فإنه سيصادف أؤلئك الذين يتحدثون بشيء وبلا شيء؛ لأن الأهم  ليس الصمت؛ إنما الكلام، واستنفاد الطاقة القصوى في أحاديث لا تنتهي. قبل الأبادة، وهذا ما يحدث في الشأن العام؛ إنما كيف يشرحه أو يؤولوه، منصتا إلى حدسه الذي شحذه حديث الفكر.

في المقابل؛ لا أحد متأكد ما إذا هم متواجدون. ربما كانوا اشباه حطام وحكام من وهْما، وقد فزع الناس لهذا السبب. او قام على هامش وعيهم أن هناك من يقاول عليهم في عطاءات ومزاد؛ فعاشوا على أمل ألا يقولوا كلمة يمكن أن تُنقل عنهم، وغير واثقين من أن يكونوا قد قالوا كلمة نُقلت فينتظرهم الموت. غير أبه. فهَذَا الأخير لاَيَأْبَهُ لَهُم أَو بهم لاَ يَلْتَفِتُ إليهم، ولاَ يَحْتَفِلُ بهم، لهذا عرف كيف يبتعد عن كل ما يثير حوله سوء الفهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *