“أفراد جاليتنا بعيدون عن العنف والفوضى”
أكد عميد مسجد باريس، الأستاذ شمس الدين حفيز، أن موقف المؤسسة التي يديرها كان وسيبقى واضحا، فهو منارة الاعتدال والوسطية، رافض للعنف، مثلما يرفض ويدين كل أشكال التطرف والتعدي على الكيانات المسلمة، وأيضا العنصرية التي تزايدت في الآونة الأخيرة. وأضاف رجل القانون في حوار مع “”، أن لكل فعل رد فعل وهذا أمر منطقي، قائلا بأن “ما شاهدناه من مشاهد عنيفة وعمليات سطو وتخريب ستكون لها عواقب ومتابعات قضائية مستقبلا، ومن يثبت تورطه فيها فسينال عقابه”.
تعيش فرنسا هذه الأيام موجة غضب أتت على الأخضر واليابس، كما يقال، وكانت حادثة مقتل الشاب نائل، ذو الأصول الجزائرية، فتيل ذلك الغضب. ماهو موقف مسجد باريس مما يحدث؟ وكيف ترون تداعيات ذلك على أفراد الجالية؟
بداية أود أن أعرب لكم عن بالغ امتناني لهذه الاستضافة الكريمة بجريدة “” العريقة. موقف مسجد باريس الكبير واضح منذ البداية، وقد أصدرتُ بيانا للرأي العام يوم 29 جوان 2023، أبديت فيه، أولا، مشاعر الحزن والأسف الشديد لفقدان هذا الشاب في مقتبل العمر، وقدّمت تضامن مسجد باريس لعائلة الفقيد ولذويه. وفي الوقت ذاته دعونا في مسجد باريس الكبير الشباب الفرنسي المتعاطف والمتضامن مع الفقيد إلى التحلي بالصبر والانضباط والتعبير عن غضبه وحزنه بسلمية وبطريقة هادئة حتى يُسمع صوته. نحن في مسجد باريس الكبير نرفض كل أشكال العنف والتخريب والفوضى، أيا كان مبررها وملابساتها. أما عن تداعيات ذلك على الجالية، فطبيعة الحال، كل فعل له رد فعل قانوني وإجراءات عقابية صارمة، ما شاهدناه من مشاهد عنيفة وعمليات سطو وتخريب ستكون لها عواقب ومتابعات قضائية مستقبلا، ومن يثبت تورطه فيها فسينال عقابه. وبوصفي رجل قانون، أدرك جيدا أننا في دولة القانون والعدالة ولا أحد يفلت من العقاب، وفي الوقت ذاته لا أعتقد أن الجميع سيتم وضعهم في سلة واحدة. هناك العقلاء من أبناء الجالية، سواء من المهاجرين وأبنائهم أو من الجيل الثالث الذين لا يتبنّون العنف والفوضى، وهؤلاء بمنآى عن ما حدث.
تشير التقارير إلى تقلص حالات التعدي على كل ما هو مسلم، أشخاص وكيانات (مساجد ودور العبادة ومدارس قرآنية)، أي أن الإسلاموفوبيا، لم تعد كما كانت من قبل، غير أن هناك تنامي خطير لظاهرة العنصرية في فرنسا. ماذا فعلت مؤسسة مسجد باريس لمواجهة تنامي العنصرية؟
نعم، فعلا كما تفضلتم، فإن حالات التعدي على الرموز والكيانات الإسلامية وعلى الأشخاص المسلمين أيضا، قد خفّت حدتها مؤخرا. مؤسسة مسجد باريس الكبير، لم تتوان لحظة في مجابهة جميع أشكال العنصرية ضد المسلمين، تماما كما عملت منذ مجيئي على رأس هذه المؤسسة على محاربة التطرف والعنف والإسلاموية التي تستغل ديننا الحنيف لمآرب سياسية وأجندات خطيرة في بعض الأحيان. كلاهما عندنا بمسجد باريس، من الأولويات التي نعمل عليها عملا جادا وميدانيا منذ شهر جانفي 2020، وقد استأنفنا عملنا عقب فترة جائحة كورونا. كل ما نقدمه في مسجد باريس الكبير هو عملي وميداني، سواءً من خلال التضامن مع الطلبة، دون استثناء عرقي أو ديني، وقد أدرك الجميع أن هذه خير رسالة يقدمها مسجد باريس، مفادها أن العنصرية والتمييز لا مكان له بيننا. كما أثبتنا ذلك عمليا من خلال مجالسنا الشهرية وندواتنا المختلفة التي نجمع فيها ممثلين لمختلف الأديان بحضور أئمتنا الأفاضل، ويتم النقاش حول عدة مواضيع بكل حرية، حيث يبدي كل طرف رأيه في إطار علمي وعقلاني بعيدا عن التجريح والانحياز والعنصرية ضد أي دين. كما عملنا لشهور متواصلة خلال مناقشة ميثاق مبادئ الإسلام على تضمين هذه الوثيقة الهامة تجريم السلوك المعادي للمسلمين وكل أشكال العنصرية.
كيف يساهم مسجد باريس في التهدئة؟ وماهو دوره في هذه الاضطرابات؟ وهل قام بعمل قاعدي للتواصل مع الجالية لتمتين صلاتها بالمرجعية ومواجهة تيارات التطرف الديني والسياسي؟
فضلا عن إسهام مسجد باريس الكبير في بث خطاب التهدئة بشكل فعّال من خلال أئمتنا عبر مختلف المساجد في فرنسا. ففي يوم الجمعة المنصرم 30 جوان 2023 وجهنا جميع أئمتنا بتضمين خطاب التهدئة ولمّ الشمل، وتبيان موقف ديننا الحنيف من التورط في العنف والتخريب وإثارة الفتن والفوضى، وقد لقي هذا الخطاب أثرا طيبا واستجابة من قبل الشباب في المساجد.
وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن أئمة مسجد باريس الكبير يتم انتدابهم من الجزائر وأصولهم الجزائرية تعني انتماءهم وأصالتهم، كما أن طبيعة شخصيتهم وتكوينهم يجعلهم يتمتعون بروح العطاء والكرم. وإن مسجد باريس الكبير يذكّر بأن هذه القيم الأصيلة راسخة فينا ومبنية على تربيتنا التي تلقيناها، حيث أن أسلافنا الذين تحلَّوا بمبادئ الإسلام الحقة، لم يعيشوا أبدا حاقدين ولا متحاملين على أحد.
فيما يخص سؤالكم عن العمل القاعدي للتواصل مع الجالية للحفاظ على مرجعيتنا ومجابهة التطرف والإسلاموية، أبدأ لكم بزي الإمام الرسمي الموحّد لأئمة مسجد باريس الكبير الذي يمثل مرجعيتنا الدينية الأصيلة، إلى أن نصل إلى الحفاظ على المذهب المالكي ورواية ورش عن نافع عن الأزرق، هذا من جهة، ومن جهة أخرى استقبال مسجد باريس الكبير كل سنة أفواجا معتبرة من التلاميذ والطلاب من أبناء الجالية لتعلم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم بقسم اللغة العربية الموجه لمتخلف الأطوار بمعهد الغزالي التابع للمجموعة المدرسية الوطنية ابن باريس. عندنا في المعهد الإسلامي لمسجد باريس الكبير بفروعه الموزعة على أقاليم فرنسا، يتم تدريس منهج واحد، يمثل منهج الاعتدال والوسطية، تتم مراجعته كل سنة من طرف لجنة مختصة أشرفُ عليها شخصيا مع مديري العام وبإشراك أئمتنا الجزائريين وأغلبهم من حملة شهادات عليا من جامعات إسلامية جزائرية رائدة.
ما هو رأيكم فيما يتعلق بقانون الهجرة الجديد وتداعياته على الجالية المسلمة؟
أعتقد أن قانون “اللجوء والهجرة” الجديد سيخفف كثيرا من الأعباء، لاسيما على العاملين، وسيُسرّع من وتيرة معالجة الملفات الإدارية أيضا، لاسيما بالنسبة لطالبي اللجوء في الحالات الإنسانية التي تتطلب رعاية خاصة، والشيء بالشيء يذكر، فقد استقبلنا بمسجد باريس مجموعة من الشباب من مختلف الأديان والتوجهات الذين جاؤوا في هذا الإطار الإنساني وتمت استضافتهم وتنظيم لقاء خاص مع أئمتنا، لكن في النهاية أقول بأن لكل دولة ظروفها الاجتماعية والثقافية والسياسية، والواقع الجيوسياسي يختلف من بلد إلى بلد ومن قارة إلى قارة. وفي الأخير أجدد شكري وامتناني لكم على هذا الحوار الشيق والمثمر.