أزمة غذاء وتضخم تدق أبواب أوروبا
لا يمكن أن تُعزل الجزائر عن السياق الدولي، سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو سياسيا، وهي دولة كغيرها من دول العالم، من بينها الأكثر تقدّما ونفوذا، قد تعرف ارتفاعا في أسعار بعض المواد الاستهلاكية من فترة إلى أخرى، وهو حال حتى البلدان الأكثر إنتاجا للمواد الأولية، إلا أن الوضع في الجزائر مقارنة بوسطها الإقليمي، حتى وإن شهدت بعض المنتوجات فيها قفزة في الأسعار، يبقى بعيدا عن السقوط في الندرة بمفهومها الاقتصادي الحقيقي.
أعطى مجلس الوزراء أول أمس حصرا لمفهوم الندرة والمضاربة المتداول في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، والذي أخرج من سياقه الحقيقي، وعزله عن الوضع الاقتصادي الصعب المفروض على العالم بأسره، وما ترتب عنه من حدوث ندرة حقيقية لمواد استهلاكية واسعة في دول متقدمة وراقية، ذات دخل سنوي وفردي يُقدّم في التقارير على أنه الأفضل والأمثل.
وفي هذا السياق تحديدا، وجه الرئيس تبون تعليماته للحكومة بأن تعد سياسة اتصالية واضحة لإعلام المواطنين وإطلاعهم بشكل دوري ومستمر حول وفرة مختلف المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع، لمنع تداول مصطلحي الندرة والمضاربة الذي يهدف، حسب المصدر، إلى خلق الارتباك في السوق الوطنية.
جولة بسيطة في الإعلام الأوروبي أو الأمريكي أو العربي كافية أن تكشف حجم الصعوبة التي تجدها شعوب هذه الدول أيضا في تحصيل بعض المنتوجات الاستهلاكية الأساسية، نظرا لندرتها مع أسعارها المرتفعة جدّا، عكس الجزائر التي تحافظ على مستوى مقبول جدا في توفير المواد الاستهلاكية من دون ندرة حقيقية، وإن كانت أسعارها مرتفعة قليلا.
عدد من الدول الأوروبية تعرف ندرة في عدة مواد غذائية وحتى الأدوية
بالمقابل، كشفت الهيئات المتخصصة أنه من المتوقع أن يصل التضخم المقيس بمؤشر أسعار المستهلك المنسق إلى 6.5% في عام 2023 في أوروبا، وفي منطقة الأورو من المتوقع أن يبلغ التضخم 5.6% عام 2023 و2.9% عام 2024، يأتي ذلك في وقت تعرف عدد من الدول الأوروبية ندرة في مواد، بما في ذلك الأدوية.
وعرضت المفوضية الأوروبية المكلفة بالصحة وضعا خاصا بشأن معاناة دول الاتحاد الأوروبي من نقص في الأدوية، منها المضادات الحيوية، أو المنتجات المضادة لنزلات البرد والأنفلونزا والتهابات الجهاز التنفسي الأخرى، وينطبق الشيء نفسه على علاجات الأطفال.
ويعتبر الوضع حساسا في معظم البلدان الأعضاء، موازاة مع دعوة اء المواطنين إلى عدم التخزين، وأشارت دراسة حديثة في إسبانيا، على سبيل المثال، إلى أن النقص والندرة زاد بنسبة 38% في عام واحد، وأن التضخم وارتفاع أسعار الطاقة وأزمة المواد الخام وتأثير جائحة كوفيد 19 تفسر هذه الظاهرة.
بالمقابل، تأمل أوروبا في درجات حرارة معتدلة وعدم حدوث صدمة كبيرة في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، لتجنب الزيادات الكبيرة في أسعار الغاز ومخاطر نقص الغاز والكهرباء، وعاشت أوروبا وضعا استثنائيا مع إجراءات خاصة لاقتصاد الطاقة، طالت كافة المجالات والنشاطات.
من جانب آخر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في شهر جانفي 2023، بنسبة 18.4% في المتوسط، مقارنة بالعام السابق، وكانت المجر بنسبة 48.2% هي الدولة التي شهدت أكبر زيادة، تليها ليتوانيا (32%) وسلوفاكيا (28.6%)، ووفقًا لأداة مراقبة أسعار المواد الغذائية التابعة لـ “يوروستات”، كانت أسعار المواد الغذائية في الاتحاد الأوروبي في مارس 2023 أعلى بنسبة 19٪ عما كانت عليه في مارس 2022.
وقدر متوسط تصخم المواد الغذائية خلال الثلاثي الأول من 2023 بنحو 18% في بريطانيا، وفاق عتبة 20% في السويد وألمانيا والبرتغال، وقد دقت أزمة الغذاء مع التضخم وارتفاع الأسعار أبواب أوروبا، مع تضخم برقمين وارتفاع أسعار الطاقة.
وقد عانت أوروبا من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وقد كشفت دراسة أجراها مرصد “سيتيليم”، التابع للبنك الفرنسي “بي إن بي باريبا”، أن أكثر من واحد من كل اثنين من المستهلكين يخشون مواجهة صعوبات في الحصول على بعض المنتجات الغذائية، مع الإشارة إلى القلق الكبير بشكل خاص في جنوب أوروبا، فقد أجاب 70% من المستهلكين الذين شملهم الاستطلاع في إيطاليا، و69% في إسبانيا، و67% في البرتغال، و59% في فرنسا بـ “نعم” على السؤال التالي: “هل أنت قلق من صعوبة الحصول على المنتجات الغذائية في بلدك في الوقت الحالي؟ خلال الأشهر القليلة المقبلة؟”، بحسب الدراسة التي أجراها مرصد المستهلك في الفترة من 3 إلى 16 نوفمبر 2022، والتي شملت 14200 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 و75 عاما، من عينات وطنية تمثل 15 دولة أوروبية.