أمد/ في زمنٍ باتت فيه المقابر أرحم من الزنازين، حيث الجوع ينهش الأجساد، والمرض يتحول إلى أداة قتل ممنهجة، استُقبل صباح الثالث من آب/أغسطس 2025، نبأٌ مفجعٌ جديد زلزل قلوب الفلسطينيين: استشهاد المعتقل الإداري أحمد سعيد صالح طزازعة، ابن العشرين ربيعًا من بلدة قباطية قضاء جنين، داخل سجن “مجدو” الإسرائيلي، في ظل ظروف غامضة وتكتمٍ رسميّ من إدارة مصلحة السجون.

أحمد الذي لم يكمل بعد فصول شبابه، اعتُقل إداريًا منذ 6 أيار/مايو 2025، دون تهمة، دون محاكمة، ودون حتى ذنب سوى أنه فلسطيني. وها هو يُضاف اليوم إلى سجل شهداء الحركة الأسيرة، التي أصبحت تدفع كل يوم ثمنًا باهظًا من أعمار وأرواح أبنائها، تحت وطأة آلة الإبادة الجماعية الصامتة التي يقودها الاحتلال.

جريمة مكتملة الأركان

بحسب ما أبلغت به هيئة الشؤون المدنية، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، فإن استشهاد أحمد طزازعة جاء نتيجة ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية في سجن “مجدو” سيئ الصيت، حيث يُحتجز المئات من الأسرى في زنازين ملوثة، تفتقر لأدنى شروط السلامة الصحية، ويتفشى فيها مرض الجرب (السكابيوس) الذي تحوّل إلى أداة قتل بطيء متعمدة، تستخدمها إدارة السجون الإسرائيلية بصمتٍ قاتل وبلا محاسبة.

هذا الاستشهاد، لم يكن الأول، ولن يكون الأخير، فالموت في سجون الاحتلال أصبح سياسة رسمية تُدار بعناية، عبر أدوات متعددة: الإهمال الطبي، التجويع المتعمد، الحرمان من العلاج، التعذيب الجسدي والنفسي، العقوبات الجماعية، والعزل الانفرادي، وكلها منظومة متكاملة لإبادة الأسرى.

أرقام الشهادة… شواهد جريمة

مع ارتقاء الشهيد أحمد طزازعة، يرتفع عدد شهداء الحركة الأسيرة إلى (313) شهيدًا منذ عام 1967، من بينهم 76 شهيدًا فقط منذ بداية الإبادة الجماعية على غزة في 7 أكتوبر 2023، والرقم مرشح للزيادة في ظل استمرار الجرائم المنظمة خلف الأسوار، وفي ظل جريمة الإخفاء القسري التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق العشرات من المعتقلين.

إن المرحلة الحالية تُعدّ الأخطر في تاريخ الأسر الفلسطيني، حيث تتصاعد الوتيرة الدموية على نحو غير مسبوق، وتُمارس إسرائيل بحق الأسرى أبشع أنواع الانتهاكات، بما في ذلك فرض ظروف معيشية تؤدي إلى تفشي الأمراض، والتجويع القسري، والحرمان من الماء والدواء، والاعتداءات الجسدية والنفسية.

شهيد بلا وداع… وصوت بلا صدى

لم يُتح لأحمد أن يُودّع والدته، لم تُمنح له الفرصة ليرى السماء خارج القضبان، ولم يعرف أحد بعد كيف رحل… لكن دمه صار شاهدًا جديدًا على منظومة التوحش الإسرائيلية، التي لا تكتفي بقصف المدن، بل تغتال الأمل خلف القضبان، وتخنق الحياة في الزنازين.

وإنّنا في ظل هذه الجريمة المتكررة نحمّل سلطات الاحتلال كامل المسؤولية عن استشهاد المعتقل أحمد طزازعة، ونعتبرها جريمة حرب مكتملة تستوجب محاسبة أمام المحاكم الدولية، لا مجرد شجبٍ عابرٍ في بيانات سياسية جوفاء.

إلى العالم… كفى صمتًا

في الوقت الذي تُطالب فيه بعض الجهات الدولية بالإفراج عن أسرى الاحتلال، فإنها تغض الطرف عن استمرار عمليات القتل الممنهجة بحق أسرانا. أين دور المجتمع الدولي؟ أين هي لجان التحقيق؟ أين هي العدالة؟

نطالب المجتمع الحقوقي الدولي بكسر حاجز العجز، واتخاذ خطوات عملية وعقابية ضد قادة الاحتلال، وإعادة الاعتبار لمفهوم القانون الدولي الإنساني، وإنهاء حالة الحصانة التي تُمنح لدولة الاحتلال بلا وجه حق.

الخاتمة:

أحمد سعيد طزازعة… اسم جديد يُضاف إلى لائحة الشرف والبطولة، إلى قائمة الشهداء الذين ارتقوا صامتين في زنزانة لا ضوء فيها سوى ضوء الحق الذي لا يغيب.

رحمك الله يا أحمد، يا من متَّ جائعًا، معذبًا، وحيدًا، لكنك حيٌّ في ضمير الوطن، ونارًا في قلب جلاديك.

شاركها.