لطالما شكَّلت فيتنام لحظةً يفخر بها شعبها ويُعجب بها منذ 80 عاماً.

في الثاني من سبتمبر 1945، قرأ الرئيس هو تشي مينه إعلان الاستقلال، مُعلناً بذلك ميلاد جمهورية فيتنام الديموقراطية، ومُفتتحاً فصلاً جديداً في تاريخ أمتنا الحبيبة.

يُعد تاريخ فيتنام المعاصر منذ ذلك الحين رحلةً طويلةً خاضها الشعب الفيتنامي عبر العديد من المشاق والتضحيات، بما في ذلك حروب المقاومة التي ضحَّى بها ملايين المواطنين والجنود بدمائهم وعرقهم ودموعهم، والسنوات الطويلة التي واجه فيها تحديات وصعوبات أمنية وسياسية واقتصادية ودبلوماسية، من أجل تأكيد وحماية العدالة والاستقلال، وإعادة توحيد البلاد بحزم.

واليوم، وبفضل كل الإرادة والجهود، تُعتبر فيتنام نموذجاً يُحتذى به في الابتكار الوطني والتنمية الناجحة.

لقد احتلت بلادنا حالياً المرتبة 32 عالمياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ إجمالي حجم التجارة أكثر من 800 مليار دولار بين مجموعة الدول العشرين، التي تتمتع بأكبر المقاييس التجارية في العالم، كما تلقت أكثر من 500 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) بمعدَّل نمو متوسط يقارب 10 في المئة سنوياً.

في السنوات التي أعقبت جائحة كورونا، نما اقتصادنا بشكلٍ مطرد بنسبة 67 في المئة سنوياً، ومن المتوقع أن يستمر في النمو بأكثر من 8 في المئة عام 2025.

أصبحت فيتنام حلقة وصل مهمة في الاقتصاد الإقليمي والعالمي، ووضعت نفسها بفاعلية في سلسلة التوريد العالمية، من خلال المشاركة في 17 اتفاقية تجارة حُرة، وتوقيع أكثر من 500 اتفاقية تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف مع الشركاء. في الوقت نفسه، حققت فيتنام العديد من الأهداف الإنمائية للألفية الاجتماعية والاقتصادية التي حدَّدتها الأمم المتحدة، إضافة إلى الالتزام القوي بتنفيذ التنمية الخضراء، ومكافحة تغيُّر المناخ، وخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050 (COP26).

على الصعيد الخارجي، أقامت فيتنام علاقات دبلوماسية مع 194 دولة، منها 13 شريكاً استراتيجياً شاملاً، تشمل جميع القوى العالمية، و10 شركاء استراتيجيين، و15 شريكاً شاملاً. وعلى الصعيد متعدد الأطراف، تُعد فيتنام عضواً فاعلاً في أكثر من 70 منظمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية رئيسية في العالم والمنطقة، وتتزايد مشاركتها في بعثات حفظ السلام والإغاثة الإنسانية في مناطق خارجية مهمة.

وباعتبارها دولة ذات طبيعة خلابة وهوية ثقافية نابضة بالحياة، وشعب ودود وكريم، تحظى فيتنام بحُب كبير من الأصدقاء الدوليين، ويتجلَّى ذلك في العدد المتزايد من السياح من جميع القارات. في عام 2024، استقبلت فيتنام 19 مليون زائر أجنبي، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 23 مليوناً هذا العام.

وبالنظر لمنطقة الخليج بشكلٍ خاص، والشرق الأوسط بشكلٍ عام، تنظر فيتنام إلى الكويت بمشاعر وتقدير خاصين في جميع الأوقات. لقد اعتززنا بهذه الصداقة الثمينة منذ كانت الكويت أول دولة في المنطقة تُقيم علاقات دبلوماسية مع فيتنام في يناير 1976 وهي فترة مهمة، بعد خروج فيتنام من الحرب بانتصار ساحق، وإعادة توحيد البلاد.

وبمناسبة الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين فيتنام والكويت، تتقدَّم سفارة فيتنام في الكويت بخالص الشكر والامتنان لجهود القادة السابقين، كما تتقدَّم بخالص الشكر لصاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد، وولي العهد سمو الشيخ صباح الخالد، ورئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ أحمد العبدالله.

كما نتقدَّم بجزيل الشكر لجميع الوزارات والهيئات الحكومية، ولجميع أصدقاء الكويت الأوفياء، الذين دعموا فيتنام بنزاهةٍ وحماس في الأوقات الصعبة الماضية، وفي فترة السلام والتنمية التي نعيشها اليوم.

وقد ازدهرت العلاقات بين فيتنام والكويت في العديد من مجالات التعاون، مُحققةً نتائج ملموسة مقارنةً بالدول الأخرى في المنطقة.

وقد تبادل قادة بلدينا الزيارات الرسمية، وحافظوا على الاتصالات بانتظام، لتعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق في دعم بعضنا البعض في المحافل الدولية.

وفيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي، بلغ إجمالي حجم الصادرات والواردات بين فيتنام والكويت 7.3 مليارات دولار في 2024، وهو أعلى مستوى للتجارة الثنائية لفيتنام في الشرق الأوسط، حيث تشهد حصة المنتجات غير النفطية، مثل: الأغذية، والمأكولات البحرية، والفواكه الطازجة، والمنسوجات، والملابس، والإلكترونيات، والمُعدات، والآلات، تحسناً ملحوظاً. وساهمت الاستثمارات الكبيرة للكويت واليابان وفيتنام في مصفاة نغي سون ومشروع البتروكيماويات المشترك في تحقيق نتائج ملحوظة منذ أن حصل المصنع على كفاءة أعلى من العديد من المصانع الأخرى، حيث يعمل بنسبة 120 في المئة من طاقته، ويحقق أرباحاً.

واحتفلت الدولتان للتو بالذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاقية التجارة الثنائية (3 مايو 1995 3 مايو 2025)، مؤكدتين بذلك وجود ظروف أكثر ملاءمة لأعمال الجانبين لتعزيز الاتصال والتوسع في سوق كل منهما.

وفيما يتعلق بالتعاون الثقافي والتعليمي والسياحي، تشترك فيتنام والكويت في أوجه التشابه والتكامل مع بعضها البعض. يأتي الآن العديد من الطلاب الفيتناميين للدراسة في جامعة الكويت سنوياً، ويحصل الطلاب الكويتيون أيضاً على العديد من الفرص للذهاب إلى فيتنام لتجربة المشاريع العملية للمؤسسات التعليمية والتدريبية.

وقد انجذب الشعب الكويتي إلى المناظر الطبيعية الفريدة في فيتنام، والمأكولات الغنية والخدمات الرائعة، حيث يختار بلدنا بشكلٍ متزايد كأفضل وجهة سياحية في جنوب شرق آسيا. لقد أقامت بعض محافظات بلدينا علاقات لتعزيز التعاون المحلي والتبادلات الشعبية، مثل محافظتَي الأحمدي ومدينة هو تشي منه، والفروانية وثانه هوا، مما ساهم في تعزيز التفاهم والترابط بين شعبينا ورواد الأعمال.

بعد نصف قرن من الصداقة والشراكة، لا يزال أمام فيتنام والكويت مجال واسع لتطوير التعاون الثنائي. ومن المجالات الرئيسية التي ينبغي للجانبين التركيز عليها في السنوات القادمة، زيادة تسهيل تجارة السلع، والاستثمار المالي، والتعاون المكثف في قطاع الطاقة، والتحوُّل الرقمي، والزراعة، ومصايد الأسماك، والأمن الغذائي، والسياحة. كما طرحنا نقاشاً مع الكويت حول إمكانية فتح خط طيران مباشر. وسيكون هذا عاملاً حاسماً لمزيد من التبادلات والاتصالات وأنشطة التعاون بين حكومتَي فيتنام والكويت، وشركاتهما، وشعبيهما.

بمناسبة الذكرى الثمانين لعيد الاستقلال، تواصل فيتنام مسيرتها نحو «عصر النهضة»، وتسعى جاهدة إلى تحقيق أهداف تنموية اجتماعية واقتصادية أعلى.

وبفضل التعاون العملي من أجل التنمية المتبادلة، فإن فيتنام والكويت ستحققان فوائد فعلية للشعبين، وتساعدان في بناء الجسر بين جنوب شرق آسيا والخليج، وبالتالي المساهمة في الاستقرار والسلام والازدهار لكلا البلدين والمنطقتين.

* سفير فيتنام لدى الكويت

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.