اخبار الكويت

هل تثير تعديلات «المرافعات» الأخيرة شبهة التعدي على حق التقاضي؟

في وقت دخلت تعديلات قانون المرافعات، بشأن الطعن على الأحكام المدنية والتجارية أمام محكمة التمييز، حيز التنفيذ منذ 16 مارس الجاري، تؤكد الأوساط القضائية أن عدد الطعون الواردة منذ دخول الكفالات المالية الجديدة حيز التنفيذ لم يتناقص، وأن الطعون المودعة ما زالت في معدلها المعتاد قبل تنفيذ القانون، موضحة أن أغلب الطعون هي المقدمة من الحكومة عبر إدارة الفتوى والتشريع وهي الجهات المعفاة من سداد الرسوم والكفالات المالية.

ووفق الأوساط القضائية فإن أغلب الطعون المودعة بعد تنفيذ القانون هي طعون الحكومة، على عكس الطعون التي كانت تقدم سابقاً من الأفراد، التي كانت أكثر، لناحية العدد، من طعون الحكومة.

وبينما كشفت جمعية المحامين الكويتية عن نيتها تقديم طعن أمام المحكمة الدستورية للطعن على القانون لتضمنه شبهة عدم الدستورية، لعرقلته حق التقاضي المكفول، فإن ذلك يثير جملة من التساؤلات القانونية عن جدوى الطعن بالقانون، وما إذا كانت هناك شبهات بالقانون تسمح بفكرة الطعن بعدم دستورية القانون.

وقبل النظر في تلك الشبهات، يجب التأكيد على جملة من المبادئ التي كفلها الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها الكويت وأصبحت من القوانين الداخلية للبلاد، التي تكفل حق التقاضي واللجوء إلى القضاء باعتباره أحد الضمانات الطبيعية التي يتعين كفالتها للإنسان باعتبار أن حق التقاضي من الحقوق الطبيعية التي تمنح لكل إنسان.

ولذلك، فان عرقلة أيّ من الحقوق المرتبطة بحياة الإنسان ومنها حق التقاضي وبما يجعل هذا الحق ممنوعاً فإن مثل ذلك المنع يتعارض مع أحكام الدستور والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان أو الاتفاقيات التي انضمت إليها الدولة، والتي أصبحت من ضمن قوانينها الداخلية.

وعلى الرغم من كفالة الدستور لحق التقاضي، وإشارته لتنظيمه من المشرع على نحو يسمح للأشخاص الطبيعين والاعتباريين ممارسته، فإن إعاقة هذا الحق من المشرع عبر إصداره القوانين أو اللوائح عند ممارسة هذا الحق، سوف يؤدي إلى نعت ذلك التنظيم بالمخالف وتناله شبهة عدم الدستورية لتعارضه المباشر مع حق التقاضي الذي كفله الدستور، الذي يتعين أن يكون طليقاً من كل قيد يعوق ممارسته واستخدامه مادام امتد ذلك التنظيم إلى مرحلة الحرمان والمنع من ممارسة هذا الحق.

لذلك فان تنظيم المشرع اليوم لحق التقاضي أمام محكمة التمييز عبر وضع التشريع الجديد لقيدين عند ممارسة هذا الحق أولهما أن ترتفع المطالبة التي تزيد قيمتها على ثلاثين ألف دينار ماعدا الطلبات غير المقدرة، وثانيهما أن تكون الكفالة المسددة للطعن هو مبلغ 500 دينار كويتي، ما يعني أن المشرع وضع هذين القيدين للوصول إلى ممارسة حق التقاضي أمام محكمة التمييز، لكن السؤال هنا هل هذان الشرطان من شأنهما حرمان التقاضي أمام محكمة التمييز، وهل ينطويان على إهدار حق المتقاضي أمام المحكمة العليا رغم أن الطعن أمامه طريق طعن غير عادي أي طعن استثنائي؟ والإجابة عن تلك التساؤلات حقيقة تقود إلى ضرورة بحث حقيقة المنع ونطاقه ومداه.

وأما من حيث حقيقة المنع، فالتشريع يمنع المتقاضي الذي تقل قيمة مطالبته عن الطعن على الحكم أمام محكمة التمييز إذا كانت مطالبته تزيد على 30 ألف دينار، بينما إذا كان الطلب غير مقدر فيجوز الطعن أمام محكمة التمييز، وهنا المنع في حقيقته نتيجة قيمة المطالبة التي وضعها المشرع، ولكنها في الحقيقة غير عادلة لأنها حظرت حق الطعن أمام المحاكم العليا كالتمييز إذا كانت المطالبة تقل عن 30 ألفا دون النظر إلى قيمة المطالبات التي تقل عن ذلك فمبلغ 10 آلاف دينار يمثل أهمية كبيرة عند متقاضٍ وقد يعد مبلغاً بسيطاً عند آخر، فلماذا يحرم متقاضٍ من فرصة الطعن والوصول أمام محكمة التمييز بسبب قلة قيمة مبلغه ويكون حكمه مليئاً بالأخطاء والمثالب والعيوب والتي يكون من الطبيعي عرضها أمام محكمة التمييز لتصويب تلك الأخطاء القانونية التي أصابتها.

بينما الجانب الآخر أن وضع قيمة المطالبة 30 ألف دينار قد يحرم المتقاضي في الدعوى الأصلية من الطعن أمام محكمة التمييز إذا كانت تقل عن قيمة مطالبته 30 ألفا بينما إذا كانت هناك دعوى فرعية بطلب غير مقدر فسوف يسمح للخصم بالطعن أمام محكمة التمييز لوحده وهو ما قد يثير هنا إخلال القانون بحق التقاضي في هذه الحالة وعدم المساواة بين الخصوم وهو ما يعني ان وضع القيد بقيمة 30 ألف دينار يمثل شبهة بالمخالفة لأحكام الدستور للمواد 7 و29 و166 من الدستور.

لذلك فلم يحسن المشرع في وضعه هذه القيود معا لحرمانها حق التقاضي أمام محكمة التمييز وبغض النظر عما إذا كانت الحق هنا لدى طريق طعن عادي أو غير عادي، فالتشريع لم يساو بين الخصوم في المراكز القانونية من جانب وحرمهم من ممارسة حق التقاضي من جانب آخر، وهو ما يتعين على المشرع التنبه له لأهميته على حق التقاضي وعلى منظومة العدالة التي توفرها الدولة، والتي يتعين أن تكون خالية من المعوقات الإدارية والمالية، وبما يجعل حق التقاضي متاحاً دون قيد أو شرط، وبما يضمن له اقتضاء حقوقه وفق قواعد العدل والمساواة، وهي القواعد التي عمد على تطبيقها قضاؤنا الشامخ ومازال مستمراً بتحقيقها.

كفالة التمييز… عبء مالي كبير

فيما يخص القيد الثاني الوارد في التعديل التشريعي الذي يخص زيادة كفالة الطعن بالتمييز إلى قيمة 500 دينار فقيمة تلك الكفالة رغم ارتفاعها فإنها تمثل عبئاً مالياً كبيراً من شأنه أن يعوق من ممارسة حق التقاضي لأن قيمة الطعن ليس بالقيمة الزهيدة مقارنة مع قيمتها قبل نحو 40 عاماً التي كانت مقررة بقيمة 100 دينار، بالتالي فإن زيادة قيمة الكفالة إلى 500 يمثل إرهاقاً للمتقاضين لاسيما وان التشريع لم يساو بين المتقاضين لأن الدعاوى التي تكون فيها الحكومة أو إحدى الجهات الرسمية خصماً تكون معفاة من الرسوم والكفالات ولذلك لا يستقيم ان يتم تقرير كفالات عالية وصولا إلى تكريس مفهوم جدية التقاضي أمام محكمة التمييز لأطراف في الدعوى دون أطراف آخرين إذا ما اعتبرنا ان الحكومة في القضايا التي تكون فيها تعتبر خصما وطرفا في الدعوى فلا يستقيم ان تعفى الحكومة من الكفالات ويتم رفعها على المتقاضي العادي لان قيمتها يجب ان تكون جدية وكان كل الدعاوى والمطالبات التي ترفعها الجهات الرسمية تلازمها الجدية فحسب ولذلك يتقرر إعفاؤها من الرسوم والكفالات وعليه فان مثل ذلك الإخلال في مساواة الحقوق بين الخصوم والأطراف يقود إلى وجود شبهة بعدم دستورية النص لعدم مساواته بينهم فيعفي طرفاً من جانب من الرسوم والكفالات ويمنع طرفاً من مباشرة التقاضي أمام محكمة التمييز إلا إذا سدد كفالة قيمتها 500 دينار.

كما يثير الأمر غرابة ان الطرف المعفي من الرسوم والكفالات ان كان خصما فرعيا يرفع طعنه دون رسوم والخصم في الدعوى الأصلية لأنه لا يملك الرسوم فلا يسمح له بالطعن وهي معادلة تنال من سلامة القانون وتنعته بالمخالفة لأحكام الدستور وفق المواد الوارد الإشارة اليها سابقا.

المصدر: جريدة الجريدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *