أكد استشاري أمراض وجراحة الكلى والمسالك البولية والتناسلية وأمراض الذكورة د. محمد لطفي مهروسة أن داء السكري يمثل تهديداً صامتاً ينسحب على أجهزة الجسم الحيوية كافة، وله مضاعفات أشد وطأة تصيب الكلى والجهاز البولي والتناسلي في حال تم التهاون في إدارة هذا المرض. وقال مهروسة، في حوار مع «»، إن السكر المرتفع في البول هو بمنزلة طبق مغذٍّ للبكتيريا، وإضافة إلى ضعف المناعة، يصبح المريض عرضة لالتهابات عنيدة وخطيرة قد ترتفع إلى الكلى… وفيما يلي تفاصيل الحوار:
* يبدو أن الكلى هي أولى ضحايا السكري… ما المسار الذي يسلكه ارتفاع السكر في تدمير أهم أعضاء التصفية بالجسم؟
هذا التوصيف دقيق، الكلى هي الضحية الصامتة. الارتفاع المزمن للجلوكوز يُحدث ضرراً بطيئاً وممنهجاً للأوعية الدموية الدقيقة في وحدات الترشيح الكلوية (الكبيبات). تخيل فلتر ماء، عندما يرتفع السكر، يصبح هذا الفلتر متضرراً ومثقوباً. تبدأ الكلى بتسريب البروتينات المهمة، وتحديداً الزلال الدقيق (Microalbumin)، وهذه أولى علامات اعتلال الكلية السكري. دون تدخل، يتفاقم الضرر وصولاً إلى الفشل الكلوي المزمن والحاجة إلى الغسيل.
السكري ليس مجرد مرض بل هو أسلوب حياة جديد يتطلب الحزم
* متى يجب على مريض السكري أن يقلق بشأن كليتيه؟ وما الفحص الذي لا يجب إهماله؟
يجب ألا ينتظر القلق. القلق يجب أن يكون مستداماً ومقترناً بالعمل. الفحص الذي أشدد عليه هو فحص الزلال الدقيق في البول سنوياً. هذا الفحص يكشف عن تسرب البروتين في مرحلة مبكرة جداً، حيث لا يزال الضرر قابلاً للإبطاء أو التراجع. فحص وظائف الكلى بالدم (الكرياتينين) هو فحص متأخر، إذ لا يرتفع إلا بعد تضرر جزء كبير من الكلى.
* بصفتك استشارياً للمسالك، ما أبرز الشكاوى المتعلقة بالجهاز البولي التي ترصدونها لدى مرضى السكري؟
أبرز شكايتين هما: التهابات المسالك البولية المتكررة ومشاكل المثانة العصبية.
العدوى: السكر المرتفع في البول هو بمنزلة طبق مغذٍ للبكتيريا. بالإضافة إلى ضعف المناعة، يصبح المريض عرضة لالتهابات عنيدة وخطيرة قد ترتفع إلى الكلى.
المثانة العصبية (Neurogenic Bladder): السكري يُتلف الأعصاب التي تتحكم في المثانة. النتيجة هي مثانة «كسولة» تحتفظ بكمية كبيرة من البول الراكد نتيجة نقص الحس في أعصابها الحسية وتراكم البول الراكد فيها، مما يزيد خطر العدوى والحصوات. أو على العكس، مثانة «متهيجة» نتيجة فرط حس الأعصاب فيها تسبب الإلحاح وكثرة التبول.
* بالنسبة للصحة الإنجابية والذكورة، ما هو الحكم النهائي للسكري على الأداء الجنسي للرجل؟
للأسف، السكري هو المُسَرِّع الأبرز لمشكلة الضعف الجنسي. يحدث هذا بثنائية قاتلة: تضرر الأوعية الدموية الدقيقة المغذية للأعضاء التناسلية، وتضرر الأعصاب المسؤولة عن الاستجابة. هذه المشاكل تظهر في سن مبكرة لدى مرضى السكري مقارنة بغيرهم، وتؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة ونوعيتها.
مهروسة: المرض هو المُسَرِّع الأبرز لمشكلة الضعف الجنسي في سن مبكرة
* لننتقل إلى الجوهر: السكر التراكمي (HbA1c). ما أهم الأدوار أو الرهانات التي يجب أن يضعها المريض أمام عينيه ليضمن أن هذا المؤشر الخطير تحت السيطرة؟
سؤال مثير، والإجابة عليه تتشعب الى 4 أسئلة فرعية يمكن أن تختصر هي وإجاباتها كالتالي:
1: كيف نختصر الزمن ونكسب المعركة؟ الجواب: التحكم الصارم في الوزن والتخلص من دهون البطن. الدهون الحشوية هي الموقد الرئيسي لمقاومة الإنسولين، وهي العدو الأول لضبط التراكمي. كل كيلوغرام يُفقد يرفع كفاءة استجابة الخلايا للإنسولين.
2: ما مفتاح تغيير «خارطة الجينات» اليومية؟ الجواب: الرياضة اليومية وليس الأسبوعية.
الحركة ليست مجرد حرق للسعرات الحرارية، بل هي مفتاح يُفعّل مستقبلات الغلوكوز في العضلات. ممارسة 30 دقيقة من المشي السريع أو المقاومة يومياً، تجعل العضلات تستهلك السكر كوقود، مما يُخفض التراكمي بشكل فعّال ومستمر.
3: هل توجد «مادة غذائية» واحدة يمكن اعتبارها المنقذ؟ الجواب: لا توجد مادة واحدة، بل هناك الكربوهيدرات المعقدة ذات الألياف العالية (الحبوب الكاملة والبقوليات). فالألياف تُبطئ امتصاص السكر وتمنع القفزات الحادة التي ترهق البنكرياس وترفع التراكمي. وعليه يجب استبدال السكريات البسيطة التي تستشيط بارتفاع السكر الناشب والبدء بالمعالجة فوراً.
4: ما الجدار الواقي الذي ينساه الجميع؟ الجواب: التحكم المستدام بضغط الدم. ارتفاع الضغط والسكري هما ثنائي مدمر للأوعية الدموية. خصوصاً إذا كان وراءه سُمنة وارتفاع في دهون الدم السيئة.
إن ضبط الضغط يقلل الإجهاد على الشرايين والكلى، مما يدعم جهود خفض التراكمي ويحمي من المضاعفات الكلوية، ويخفف العبء عن القلب، فالهدف الأسمى هو الحماية الوعائية الشاملة.
دعوة للحزم
* كلمة أخيرة توجهها للمرضى والمؤهلين للإصابة.
رسالتي حاسمة: صحتك في يدك، وهي تنبع من وعيك.
داء السكري ليس مجرد مرض، بل هو أسلوب حياة جديد يتطلب الحزم. بالتحكم الجيد في سكر الدم (HbA1c أقل من 7%)، والتحكم بالضغط (أقل من 140/90)، والمحافظة على وزن معتدل عن طريق التعفف عن تناول المأكولات الغنية بالحريرات بإسراف وعدم القيام بالرياضة، تحافظ على الجسد اللائق مع عدم إهمال الفحوصات الدورية السنوية، وبذلك يمكننا أن نجنب المريض مشاكل الداء أو نؤخر عليه المضاعفات المؤلمة في الكلى والمسالك البولية والجهاز التناسلي.
المصدر: جريدة الجريدة
