مفهوم الاستدامة في حقل العمل الإنساني بقلم د جابر عيد الوندة
بقلم:د. جابر عيد الوندة
لم يعد مصطلح الاستدامة مصطلحا غريبا أو قليل الدوران على ألسنة الخاصة والعامة، بل أصبح ذائع الصيت دائم الحضور في معظم المحافل وعلى مختلف الأصعدة.. فماذا يمكن أن نضيف في الحديث عن هذا المصطلح وعلاقته بالقطاع الخيري والإنساني؟ وإلى أي حد يجب التفاعل الإيجابي مع ما تتطلبه الاستدامة من معايير في هذا القطاع؟ وهل هناك مؤسسات خيرية تطبق معايير الاستدامة وأخرى لا تطبقها؟ وهل هناك أصلا معايير أو تقارير خاصة بهذا القطاع؟ وأسئلة أخرى عديدة سنحاول أن نتناولها في هذه السلسلة التي نرجو أن تكون مفيدة ونافعة وموضحة لبعض الملامح في هذا الإطار.
بداية، يدور مفهوم الاستدامة حول الاستمرار، وهي مصدر مأخوذة من الفعل استدام، مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة كل استمرار يعد أمرا إيجابيا، أما إذا أطلقنا كلمة الاستدامة دون قيد أو شرط فسينصرف الذهن إلى الأمور الإيجابية، وهذا ما نلاحظه دائما في الحديث عن أمر الاستدامة (sustainability) لدى المعاصرين والمعنيين بأمور البيئة وكذلك الاقتصاد فضلا عن المجتمع والناس، وهذه هي أهم الدوائر أو الأبعاد التي تدور فيها الاستدامة وجودا أو عدما، أو اهتماما بها وتفعيلا لها أو إهمالا لأمرها ونسيانا لشأنها وتأثيرها، كما سنتناول لاحقا.
والسؤال هنا: هل مدلول الاستمرار هو المقصود فقط من الاستدامة؟ وهل هو المدلول الاصطلاحي أو العلمي المتعارف عليه بين المختصين والمعنيين؟ وهل ولد هذا المصطلح وتم تحديد المقصود به وارتضاه المعنيون منذ بداية ظهوره أم أخذ يدور بين التوسعة والتضييق والتعميم والتخصيص شأنه شأن المصطلحات حتى استقر في النهاية إلى معناه الحالي؟
ارتبط مصطلح الاستدامة بمصطلح التنمية، وجاء مقرونا به «التنمية المستدامة»، وحين يطلق المختصون مصطلح الاستدامة فإنهم يعنون مصطلح «التنمية المستدامة» الذي عرفته لجنة برونتلاند (Brundtland) في تقريرها الذي نشرته سنة 1987 تحت عنوان مستقبلنا المشترك بأن التنمية المستدامة هي التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون الإضرار بمقدرة أو قدرات الأجيال اللاحقة على تلبية احتياجاتهم.
وهذا التعريف كما تلاحظ يراعي المواءمة بين تلبية حاجيات الناس الحاضرة ومتطلبات العيش فيه من جهة وعدم التأثير على قدرة الأجيال اللاحقة على تلبية حاجياتهم ومتطلبات عيشهم، أي إننا ننمّي الحاضر، ناظرين إلى المستقبل، ونستفيد من الموجود ونحافظ عليه وننميه وندرك أننا مسؤولون عمن سيأتون بعدنا، فضلا عن مسؤوليتنا عمن هم معنا أصلا في الوقت الحاضر..!
المصدر: جريدة الأنباء الكويتية