في قاعة 1 بمحكمة التمييز الجزائية بقصر العدل القديم، حيث تطوى الملفات وتصدر الأحكام النهائية، وفيها ختمت واحدة من أبشع القضايا الجنائية في تاريخ الكويت الحديث، قضية «وحش حولي»، الاسم الذي أرعب العائلات، وحوّل براءة الطفولة إلى كابوس مرعب، حتى جاء يوم العدالة.
القضية التي اختارها برنامج «رُفعت الجلسة»، الذي يقدمه الزميل د. حسين العبدالله، لتكون موضوع الحلقة الثامنة، تعود إلى 2007، حين بدأت الأخبار تتوالى عن حوادث متكررة ومتشابهة في مناطق متفرقة، خصوصاً بين محافظتي الفروانية وحولي، وكان العامل المشترك بين البلاغات أن الضحايا جميعهم من الأطفال، عبر اعتداءات مروعة، وعاشت الأسر في الكويت رعباً حقيقياً.
16 بلاغاً تم تقديمها بحق شخص واحد، وهو وافد من جنسية عربية، وصفه الإعلام لاحقاً بـ «وحش حولي»، وظلت الأجهزة الأمنية تتابع تحت ضغط كبير، حيث تباينت أوصاف الجاني بحسب روايات الأطفال الضحايا، مما أربك فرق التحري، وزاد الضغط على وزارة الداخلية، لكن مع مرور الوقت، وبجهود مكثفة، بدأت الصورة تكتمل، وتم تشكيل فرق بكل محافظة.
وتم رسم صورة تقريبية للجاني، اعتماداً على شهادات الأطفال، وجرى تعميمها على الصحف، ليتعرف عليه أحد الضحايا، وتبدأ سلسلة من طوابير العرض، والتطابق في الفحوصات، وتأكيد التعرف عليه من قبل أكثر من طفل، وفي النهاية، وقع «الوحش» في قبضة العدالة، وتم ضبط الجاني الحقيقي خلال نحو شهرين من تقديم البلاغات، وبعد ثبوت تطابق المواصفات التي رسمها الأطفال وحمض الـ DNA.
داخل القاعة، كان المتهم صامتاً، قصير القامة، بلحية خفيفة وعينين شاردتين لا تلتقيان بعين أحد، فلم يرفع رأسه طوال المحاكمة، لم يتحدث، ولم يعترض، ومحاط بالقوات الأمنية، واللافت في هذه القضية أن المحاكمات لم تكن واحدة، بل 16 قضية، صدرت في عدد منها أحكام بالإعدام، وجرى تأييد 6 أحكام إعدام من محكمة التمييز، لتصبح نهائية باتة لا طعن بعدها.
المشهد داخل القاعة وقت محاكمته كان استثنائياً، القاعة ممتلئة، الإجراءات مشددة، الحضور كثيف، الأمهات يجلسن في الخلف والآباء صامتون، وكلما ظهر المتهم حبست القاعة أنفاسها، كان رجال الأمن يحرصون على عزله، يخرجونه فوراً بعد انتهاء الجلسة، يتفادون أي احتكاك، أي نظرات، أي انفجار غضب محتمل من ذوي الضحايا.
أحضر الأطفال في بعض الجلسات، وتعرفوا عليه أمام المحكمة، واستدعيت فرق التحقيق والشهود، وتناقش الدفاع في كل صغيرة وكبيرة، لكن الوقائع كانت دامغة، والاعترافات متسلسلة، والتعرف مباشرة، حتى قالت المحكمة كلمتها: «هذا الشخص اختطف واعتدى وروّع ودمر حياة صغار لا ذنب لهم، ولا مفر من القصاص»، وتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهم في قضية تترك ذكريات سيئة للأطفال وأسرهم، ونفذ الحكم شنقاً، مشكلاً لحظة ارتياح ولو جزئياً لأسر لم تنم أعينها لفترات طويلة.
المصدر: جريدة الجريدة