في نهار شهر رمضان، وبينما كان المصلون ساجدين لله يؤدون صلاة الجمعة، اخترق صوت الانفجار جدران مسجد الإمام الصادق والمجتمع على حد سواء، كانت الساعة تشير إلى ظهيرة حزينة من يوم 26 يونيو 2015، عندما فجّر إرهابي نفسه في ذلك المسجد بمنطقة الصوابر، في مشهد مأساوي هز الكويت كلها، وخلّف وراءه 26 شهيداً وأكثر من 200 مصاب، ومن هنا كان اختيار برنامج «رُفعت الجلسة»، الذي يقدمه الزميل المحامي، د. حسين العبدالله، لقضية تفجير مسجد الإمام الصادق لتكون قصة حلقته السابعة.


الواقعة لم تكن حادثاً عابراً، بل جريمة مدبّرة، ومخططاً إرهابياً استهدف تمزيق النسيج الوطني الكويتي وبثّ الفتنة الطائفية بين أبناء البلد الواحد، لكن ما لم يحسب له المخططون، أن الدم الذي أريق في بيت من بيوت الله، جمع القلوب بدلاً من أن يفرقها، ووحد الصفوف بدلاً من أن يشتتها.

فور وقوع التفجير، هرعت الأجهزة الأمنية إلى موقع الجريمة، وتوالت التحقيقات التي أسفرت خلال وقت قياسي عن ضبط المتورطين، وتبيّن من مجريات التحقيق أن الانتحاري دخل الكويت قبل الحادث بيوم قادماً من إحدى الدول الخليجية، حيث كان يحمل الحزام الناسف الذي جرى تهريبه من تلك الدولة، وتبيّن أنه بات في منزل أحد المتهمين ليلاً، قبل أن يستقل سيارة بقيادة شريك له صباح يوم التفجير، ويترجل منها أمام المسجد، ثم يدخل بين المصلين أثناء السجود، ويفجّر نفسه وسطهم.

المشهد كان مفجعاً، والضحايا كانوا في بيت الله، جاءوا للصلاة، فكتب لهم أن يبعثوا شهداء، ووسط الفاجعة، تجلّى الموقف الأبوي والتاريخي الكبير لسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، الذي أبى إلّا أن يحضر شخصياً إلى موقع التفجير، رغم خطورة ذلك أمنياً، ليؤكد أن الكويت كلها واحدة، وأن الدم الذي سال في مسجد الإمام الصادق هو دم كل الكويتيين.



قالها الراحل الكبير بكلماته الخالدة: «هذولا عيالي»، لترتسم بتلك العبارة ملامح وطن متماسك، لا تفرّقه الطوائف، ولا تهزّه المِحَن، ومن هذا الموقف، بدأت خيوط التضامن الشعبي والسياسي والاجتماعي تتكثف، وتحوّل التفجير الإرهابي إلى نقطة قوة وترابط أكبر في وجه كل من راهن على تمزيق البلد.

وبعد القبض على المتهمين، واصلت النيابة العامة التحقيق، ووجهت لهم تهماً تتعلق بالانتماء إلى تنظيم إرهابي، والتخطيط للقيام بعمل تفجيري مروع، وتمت إحالتهم إلى المحكمة الجزائية، حيث نظرت القضية في القاعة الجنائية، بحضور وسائل الإعلام والجمهور، لما تمثّله من أهمية أمنية ووطنية.

المحكمة، برئاسة هيئة قضائية مشهود لها، ضمّت ملفاً ثقيلاً من الاعترافات والشهادات والأدلة، وبعض المتهمين أقروا أمام النيابة بالتخطيط والمشاركة في العملية، بينما حاولوا التراجع أمام المحكمة وإنكار التهم، مما أحدث مفارقة أثارت استغراب الجميع، خصوصاً أن التسجيلات والإفادات كانت واضحة وصريحة.



وفي مشهد لافت، قالت المحكمة كلمتها، بعد جلسات مطولة استمعت فيها لكل أطراف الدعوى، ومُكّن فيها الدفاع من تقديم دفوعه كاملة، أصدرت المحكمة أحكامها بإعدام عدد من المتهمين الذين ثبت تورّطهم في الجريمة، وبالسجن لآخرين، كما برأت من لم تتوفر ضدهم أدلة كافية.

ورغم تبرُّؤ بعض المتهمين من نية ارتكاب الجريمة، مدعين أنهم لم يكونوا يعلمون نية الانتحاري، فإن المحكمة رأت أن الوقائع والأدلة أقوى من تلك الادعاءات، فمن ساعده على الوصول، أو وفّر له الإيواء، أو ساهم في إدخاله إلى البلاد، كلّهم جزء من جريمة إرهابية مكتملة الأركان.

وكانت الكلمات التي خرجت من القاعة بعد النطق بالحكم، تعكس حجم الارتياح الشعبي، وكأن القضاء قال بصوت واحد: لقد اقتصصنا ممن قتل أبناءكم، وسعينا للعدالة باسمكم.

القضية لم تكن فقط جريمة أمنية، بل كانت اختباراً لصلابة الجبهة الداخلية في الكويت، ونجحت الدولة بكل أجهزتها، وفي مقدمتها القيادة السياسية والقضاء، في تحويل لحظة الفاجعة إلى لحظة وعي وطني.

وبقي مشهد تشييع الشهداء، ومجلس العزاء في المسجد الكبير، وعبارات سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، محفورة في ذاكرة الكويتيين، كعلامات مضيئة في زمن أراد له الإرهاب أن يكون رمزاً للفرقة، فتحوّل إلى لحظة وحدة وطنية لا تُنسى.

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.