دبلوماسي كويتي قضى 36 عاماً في خدمة بلاده ودافع عن العديد من القضايا العربية، بما في ذلك الجهود المبذولة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وتحرير الكويت، مساهماً برفع مكانة الكويت في عالم الدبلوماسية الدولية.
عبدالمحسن ناصر الجيعان، هو دبلوماسي متمرّس ومفكّر في مجال السياسة الخارجية، كرّس عقوداً من حياته لتعزيز قضية السلام في الشرق الأوسط، توفي بتاريخ 18 يوليو 2025 عن عمر يناهز 83 عاماً.
وُلد عبدالمحسن الجيعان في الكويت عام 1942، وتخرّج الأول على دفعته من مدرسة الشويخ الثانوية، قبل أن يُكمل دراسته الجامعية في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية، ثم على درجة الماجستير في الاقتصاد الدولي من جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة.
التحق عبدالمحسن الجيعان بوزارة الخارجية الكويتية عام 1968 بعد التخرّج، وسرعان ما أصبح أحد المستشارين الرئيسيين لوزير الخارجية آنذاك، صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه.
من العام 1968 إلى العام 1976، عمل في إدارة الشؤون الاقتصادية بوزارة الخارجية، وتولّى رئاسة قسم المنظّمات الدولية وشغل في الوقت نفسه منصب نائب مدير إدارة الشؤون الاقتصادية.
دوره خلال احتلال العراق للكويت
خدم السفير الجيعان كممثل دائم للكويت لدى جامعة الدول العربية أثناء احتلال العراق للكويت في عامي 1990 و1991.
وحاول العراق مرّات عدّة خلال تلك الفترة إخماد صوته كممثل شرعي للكويت. ففي اليوم التالي لغزو العراق للكويت في 2 أغسطس 1990، أصدرت الحكومة العراقية الصورية في الكويت المرسوم رقم 5 (3 أغسطس) الذي اتهمه، إلى جانب الشيخ سعود الناصر الصباح (سفير الكويت لدى الولايات المتحدة الأميركية) ومحمد أبو الحسن (سفير الكويت لدى الأمم المتحدة)، بالخيانة، وسعت إلى فصلهم من مناصبهم. إلّا أنّ المجتمع الدولي رفض شرعيّة هذا المرسوم واستمرّ بالاعتراف بهم كممثلين شرعيين للكويت.
في أوّل اجتماع عقدته جامعة الدول العربية في تونس بعد الغزو، اعترض ممثل العراق حامد الجبوري، على حضور السفير الجيعان، زاعماً أنه ليس الممثل الشرعي للكويت. ومع ذلك، رفضت الدول الأعضاء في الجامعة العربية هذه الاعتراضات، وأكّدت مجدّداً أن السفير الجيعان هو الممثل الشرعي لدولة الكويت.
أدّى السفير الجيعان، بصفته ممثلاً للكويت، دوراً حاسماً في تأمين عقد جلسة طارئة لوزراء الخارجية في جامعة الدول العربية في القاهرة في 3 أغسطس 1990، والتي أدّت إلى إصدار قرار يرفض غزو واحتلال العراق للكويت، ويطالب بالانسحاب الكامل وغير المشروط للقوات العراقية.
وقد مهّد هذا القرار الطريق للحصول على الدعم الدولي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ما أدّى إلى إصدار قرارات مجلس الأمن رقم 660، 661، 662، 665، 670، و675، التي منحت الشرعية الدولية لتحرير الكويت بنجاح من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
الخدمة في الأمم المتحدة
في عام 1976، تمّ تعيينه نائباً للممثل الدائم للكويت لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لمدّة خمس سنوات، وذلك بين عامي 1976 و1981.
خلال هذه الفترة، حصلت الكويت على أوّل عضوية لها في مجلس الأمن الدولي لعامي 1978 و1979. وتم تعيينه نائباً للممثل الدائم للكويت خلال فترة العضوية، حيث عمل عن كثب مع السفير عبدالله بشارة.
كان له دور بارز في صياغة القرار رقم 425 وتقديمه لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أنشأ القوّة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل). كما أرسله مجلس الأمن إلى زامبيا ضمن فريق خاص للتحقيق في الهجمات العسكرية التي قامت بها جنوب أفريقيا.
جهود الوساطة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية
عُيّن السفير الجيعان سفيراً للكويت لدى تونس وممثلاً دائماً لدى جامعة الدول العربية، بعد أن كان قد شغل مناصب عدّة كسفير الكويت في ماليزيا وتايلند وبلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الأوروبي.
وفي عام 1988، كلّف صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، رئيس لجنة الجامعة العربية في شأن لبنان السفير الجيعان بقيادة جهود الكويت للتوسّط لإنهاء الحرب الأهليّة اللبنانية، حيث أُرسل إلى لبنان حاملاً رسائل شخصية إلى زعماء القوى المتصارعة.
وأسفرت جهود الكويت عن مبادرة منسّقة لمجلس التعاون الخليجي، تكلّلت بانعقاد اتفاق الطائف في عام 1989، منهية بذلك حرباً أهلية استمرت 15 عاماً.
مسيرته المهنية في مجال الأعمال
كان السفير الجيعان أحد المساهمين المؤسّسين في المركز المالي الكويتي (المركز) في عام 1974، حيث شغل عضوية مجلس إدارته لعدّة سنوات. ويُعدّ المركز اليوم المؤسسة الرائدة في إدارة الأصول والخدمات المصرفية الاستثمارية في الكويت، كما يدير أصولاً بقيمة 1.4 مليار دينار كويتي في عام 2024. وتمّ إدراج المركز في بورصة الكويت في عام 1997.
المصدر: الراي