رغم علاقتي القديمة والوثيقة التي تمتد لسنوات طويلة بصاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، إلا أنني لم ألتقِ به وجهاً لوجه منذ تولّى منصب ولاية العهد.
أمس، تشرّفت بزيارة سموه في قصر بيان للسلام والاستماع إلى رؤاه وأفكاره. خلال الحديث الذي طال، خرج الزمن من كونه لقاء مع الشيخ العود، المسؤول الأول في الدولة، إلى لقاء مع إنسان يحمل على كتفيه وطنه وينبض قلبه بحبه. البداية الكويت والنهاية الكويت والماضي والحاضر والمستقبل الكويت. يعشق ترابها وأرضها وجغرافيتها وأهلها ومجتمعها ولا يعتبر أن هناك بوصلة تتحرك في أي اتجاه إلا لمصلحة الكويت والكويتيين.
تحدثنا بصراحة وشفافية في أمور كثيرة تناولت محاور متعددة تتعلّق بكل مناحي الحياة في الديرة، ومن لا يعرف صاحب السمو يجهل تمتعه بمزايا كثيرة نتيجة التجارب المتراكمة والخبرات. فهو مسؤول هاجسه الأول الاستقرار والوحدة الوطنية والأمن المجتمعي، وإن كانت تسمية «أمني من الدرجة الأولى» جائزة في هذا المقام، فلا بد من القول أيضاً إنه سياسي من الدرجة الأولى واقتصادي من الدرجة الأولى.
عندما تستمع لتحليله السياسي تندهش من غزارة المعلومات التي يملكها ومن مواءمته بين المنطق والواقع من جهة وبين الطموحات من جهة أخرى. كل شيء مدروس ومحسوب بحسب الإمكانات المتوافرة، وكل قرار يشكل عملياً نوعاً من التحدي لكسر الأنماط السائدة وتأسيس أرضية صلبة لمستقبل أفضل.
وعندما يشرح رؤيته الاقتصادية لا تملك إلا الاندهاش لحجم الخطط التي يوجّه بالعمل عليها لإعلاء التنمية وجعلها منهجاً راسخاً في عمل كل الوزارات.
وإن كان «الدهاء» عنوان القابض على مثلث الأمن والسياسة والاقتصاد، فإن «الوفاء» مضمون ثابت في شخصيته، أولا تجاه من يعتبره معلمه ووالده والأخ الأكبر المغفور له الشيخ جابر الأحمد، الذي حين يأتي على ذِكره تخاله يتحدّث عن وطن وأرض وتاريخ. يتوقف كل شيء آخر عندما تترقرق الدموع في عينيه ولا تملك وأنت الجالس أمامه إلا التأثر به كإنسان ووالد وحاكم… تمتد مساحة الوفاء إلى كثيرين رافقوا مسيرته وكانوا رفاق درب، يذكرهم بالاسم والمضمون وروحيتهم الملهمة مثل المغفور له العم سليمان المشعان.
مدرسة في الدهاء والوفاء، ومدرسة في العمل والعطاء، لا يكل ولا يمل ولا يحسب للزمن مكاناً أو للراحة مستقراً. تجبرك لحظات على التساؤل الممزوج بالخوف عن الصحة والهمة، فيرد بأن كل شيء يتراجع أمام تقدم الكويت وأنه يشعر بأفضل حالاته صحياً عند كل إنجاز يتحقّق لمصلحة الكويتيين.
يشرح صاحب السمو بعض تفاصيل العملية الإصلاحية غير المسبوقة في تاريخ الكويت الحديث على مستوى التخلص من الشوائب ومحاربة الفساد وتطوير الإدارة وتحديث آليات العمل في كل مكان. فللمرة الأولى تبدأ محاسبة الفساد من فوق، من الجميع، أبناء الأُسرة قبل غيرهم، وليس من الأسفل حيث كانت تتم التضحية ببعض المتورطين الصغار كي يقف سيف المحاسبة عند المتورطين الكبار.
هل طُرق الإصلاح سالكة تماماً والأمور وردية؟ بالطبع لا توجد هذه الفرضية حتى في أرقى الدول تقدماً، إنما الفارق هنا في حجم الإرث المتراكم الذي لا بد من تنقيته بالتوازي مع التقدم إلى الأمام في مسار الإصلاح والتنمية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى وجود مستائين ومعترضين خصوصاً مَن تضرّرت مصالحهم غير القانونية، لكن هذا الأمر طبيعي ومرصود وملحوظ إذ لم يُجمع الناس حتى على الرسل والأنبياء. هنا يؤكد صاحب السمو أن مخافة الله هي المعيار وراحة الضمير هي المسار، ومن يعمل في دائرة الضوء لا يخشى شيئاً… ودائرة الضوء عنده مصلحة الكويت.
عند صاحب السمو، لا يستقيم الإصلاح من دون إصلاح منظومة القضاء استناداً إلى قاعدة «العدل أساس الملك». يعتبر أن دولاً عريقة وكبيرة تعرضت لانتكاسات ضخمة أمنياً وسياسياً إلا أنها استعادت دورها واستقام وجودها بفعل وجود سلطة قضائية قوية. وتتملكك الدهشة حين تقف على إلمامه الواسع بتفاصيل ملف القضاء في الكويت بكل تنوعه ومندرجاته، وكيف أن على القضاء أن يكون حارساً حقيقياً للإصلاح بعد إجراءات تصحيحية تشمل كل ما يتعلق به ويتفرع عنه، وخصوصاً إنجاز تكويته.
يسترسل صاحب السمو في الكلام عن رؤيته لإحداث إصلاحات عميقة في منظومة التعليم وتطويرها لأن المستقبل في رأيه يبدأ من هنا. وعن رؤيته لتطوير المنظومة الطبية وتحديثها كي يعود للكويت دورها الريادي في هذا المجال، وعن إيجاد حلول جذرية لقضايا الإسكان وهو الذي يتابع كل صغيرة وكبيرة في الاتفاقات العمرانية التي تمت مع الصين وغيرها، وعن إعادة دورة الاقتصاد النشطة إلى ما كانت عليه من خلال مشاريع التنمية التي لا يخلو لقاء له مع رئيس الحكومة ووزرائها إلا وهي في صلب المحادثات.
هذه القامة التاريخية، هذا الأسلوب في العمل، هذه الرؤى… كلها تفرض أعباء ثقيلة على الوزراء أو فريق العمل. فالمطلوب دائماً مواكبة سريعة من وزراء أقوياء عليهم أن يتكيّفوا مع الاندفاعة الإصلاحية ويتخلوا عن كل ما له علاقة بالبيروقراطية وإدارات المكاتب. ولذلك يضطر صاحب السمو دائماً لممارسة أدوار إضافية في موضوع التوجيه والمتابعة حتى لا تتوقف العجلة عن الدوران أو يحصل تراجع في الأداء مع المحاسبة الدقيقة الواضحة للوزير المقصّر.
يمتد الحديث وتتمنى ألا يتوقف. صاحب السمو مشعل الأحمد، يعشق تراب الكويت، وعزوته أهل الكويت الذين يعشقون ترابها، ويرى أن هؤلاء هم بعد الله سبحانه وتعالى مصدر الرهان لدعم المسار الإصلاحي وتحقيق الطموح بإيصال البلد إلى أعلى المراتب.
مشعل الأحمد، كم تلهم قوة إيمانك بالكويت وأهلها… الكويت وأهلها على العطاء والرجاء والإيمان والأمل بمستقبل أفضل.
مشعل الأحمد… كويت جديدة تبزغ من شمس عشقك لها.
المصدر: الراي