طحن الطحين وجسر أوريسند بقلم سالم الناشي
من الألغاز المضحكة أن سؤالا مفاده: ما الدولة التي لا يطحن فيها الطحين؟ طبعا الجواب: أن كل الدول لا يطحن فيها الطحين لأنه أصلا مطحون!
لكن مع الأسف نجد بعض الدول ينطبق عليها هذا اللغز الهزلي، وأنها فعلا تطحن الطحين ليس مرة واحدة بل مرات عدة، وتقع في الأخطاء نفسها مرارا وتكرارا، ولا تتعلم أبدا، وتضيع أوقاتا وجهودا كبيرة، بل تتكبد خسائر جسيمة تنهك البلد، وتجعله لا يرى النور بسبب انقطاع الكهرباء المستمر.
من جهة أخرى، نرى دولا أخرى أدركت أن الحبوب هي التي تطحن فقط، وأنها يجب أن تتجاوز هذه المرحلة، وهي مرحلة طحن الحبوب إلى صناعة الخبز، ومن ثم خلق تنمية، وإيجاد صناعة، وخلق فرص عمل وتقدم شعوب.
هذه الممارسة نجدها عند بعض الدول التي أدركت فداحة الحروب منذ فترة طويلة، وسعت إلى بناء جسور مع أعداء الأمس، ليصبحوا أصدقاء اليوم في البناء والمصير والتقدم، فمثلا ارتبطت العلاقات الدنماركية السويدية بتاريخ طويل من الحروب (11 حربا) وقعت بين عامي 1521 و1814. والسويد (العظيمة) أكبر مساحة من الدنمارك (القزمة) بعشر مرات، وسكانها ضعف سكان الدنمارك، لكن مع هذا رسمت الحدود بينهما قبل 365 عاما، ولم تعد بينهما حروب تذكر بعدها، وآخر هذه الحروب قبل 214 عاما.
أما في عام 1991 فقد وقعت الحكومتان الدنماركية والسويدية اتفاقية لإنشاء طريق ثابت عبر أوريسند بطول 16.4 كيلومترا، ليربط بين كوبنهاغن العاصمة الدنماركية، ومالمو، من بين كبرى مدن السويد، وهو مؤلف من نفق وجسر وجزيرة (بيبيرهولم Peberholm) الاصطناعية، ويستخدم طريقا للسيارات، وسكة حديد لتوثيق العلاقة بين البلدين، وأيضا بين أوروبا كلها والمناطق الإسكندنافية (الدنمارك، والنرويج، والسويد، وفنلندا)، وبدأ الإنشاء عام 1995، وافتتح للمرور عام 2000، وسمي بـ «جسر أوريسند» Oresund Bridge، لكن واجهت المشروع عقبات عدة، منها اختلاف اللغة لكلا البلدين، واختلاف وحدات القياس، وجهد التيار الكهربي، ومعايير خراطيم الإطفاء.
أما في الأمة الإسلامية فرغم الروابط القوية بينها (الدين، واللغة، والجوار)، إلا أن بعض الدول ما زالت تطحن الطحين، وتدور حول نفسها، وتختلق المشكلات، وتصر على استمرار النزاعات المسلحة، وافتعال الحروب، واستعداء الأخوة الإسلامية، والاستهانة بالدماء البريئة المحرمة، والنتيجة المؤلمة تخلف هذه الدول، وانتشار الفساد فيها، وتعثر التنمية وتراجعها الواضح والبين عن كثير من الدول حولها.
المصدر: جريدة الأنباء الكويتية