في أول حوار صحافي له عقب ساعات قليلة من تقديمه أوراق اعتماده لسمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، أكد سفير كازاخستان لدى البلاد، يرزان إيليكييف، أن العلاقات بين البلدين تقف على أعتاب مرحلة استراتيجية جديدة، تستند إلى تاريخ طويل من الصداقة والتفاهم المتبادل، وتُفتح فيها آفاق واعدة للتعاون في مجالات الأمن الغذائي، والطاقة، واللوجستيات، والاستثمار. وبدبلوماسية تجمع بين العمق السياسي والخبرة الاقتصادية، تحدث إيليكييف لـ«» عن رؤيته لتعزيز الشراكة بين الكويت وكازاخستان، مشدداً على أوجه التشابه الثقافي والاجتماعي التي تُقرب بين الشعبين، وعلى فرص التعاون المتاحة في ظل رؤية «الكويت 2035» و«كازاخستان الرقمية». وسلّط السفير الضوء على الإمكانات الهائلة لبلاده، من الأراضي الزراعية الخصبة والموارد الطبيعية، إلى النمو الاقتصادي المتسارع وموقعها الجغرافي الاستراتيجي في قلب أوراسيا، داعياً المستثمرين الكويتيين إلى شراكات حقيقية تحقق المنفعة المتبادلة، وتُسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وازدهاراً. وفيما يلي نص الحوار:
• قدّمت أمس الأول أوراق اعتمادك إلى سمو الأمير، ما انطباعك الأول حيال الحدث؟
جرى تقديم أوراق الاعتماد في جو مليء بالود الحقيقي، لم تكن هذه اللحظة مجرّد إجراء شكلي، بل كانت رمزاً حياً لحقبة جديدة بالنسبة لي، حيث تم تأكيد مكانتي سفيراً لكازاخستان لدى الكويت، وهذا شرف عظيم ومسؤولية كبيرة للمساهمة في تعزيز جسور الصداقة والتعاون بين شعوبنا، وفتح آفاق جديدة للازدهار المتبادل والإنجازات المشتركة.
وقد أعرب صاحب السمو عن تمنياته لي بالتوفيق في مهمتي، وأكد دعمه لتعزيز التعاون بين بلدينا، كما شدّد سموّه على الأهمية الخاصة لتوسيع التعاون الاستثماري، مشيراً إلى الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها كازاخستان كشريك موثوق في القطاع الزراعي.
فرص واعدة للتعاون بين البلدين في الزراعة والطاقة والرقمنة
• ما انطباعاتك الأولى عن الكويت؟
منذ الأيام الأولى لوجودي في الكويت، شعرت بقرب روحي وثقافي عميق بين شعوبنا. تتشابه تقاليد كازاخستان والكويت بشكل لافت، احترام الأسرة وكبار السنّ، والضيافة الأسطورية، والانفتاح على العالم. يرحّب بك الكويتيون بدفء وصدق، مما يذكرني بضيافة الكازاخستانيين، وكأنني في وطني الأم. كما أن لغتينا تشتركان في كلمات مشتركة كثيرة، مما يؤكد الروابط التاريخية.
طموحات كبيرة لتعزيز التنمية مع الكويت في ظل رؤية 2035
الاستثمارات والتعاون
• ما المهام الرئيسية للسفارة في برنامج عملك خلال توليك منصب السفير؟
تتمثل المهمة الرئيسية للسفارة في تحفيز وتنفيذ تعزيز شامل للتعاون بين كازاخستان والكويت، من الحوار السياسي إلى التجارة والثقافة والعلاقات الإنسانية. نحن نركّز على جذب الاستثمارات والمشاريع الجديدة والتعاون في مجالات الأمن الغذائي والطاقة واللوجستيات. نحن ندعم بنشاط رؤية «الكويت 2035»، التي تتوافق أهدافها تقليل الاعتماد على النفط وتطوير القطاعات غير النفطية مع أولويات كازاخستان التي حددها الرئيس قاسم توكاييف في 8 سبتمبر الماضي، بتأكيده إطلاق دورة استثمارية ومعالجة عميقة.
وستعمل السفارة على تعزيز المشاريع المشتركة في الصناعة والتكنولوجيا، حيث يمكن للاستثمارات الكويتية أن تحقق منافع متبادلة. على سبيل المثال، مشروع مدينة الحرير الكويتية وميناء مبارك الكبير يكملان بشكل مثالي ممرات النقل في كازاخستان. ويفتح ممر الشمال الجنوب «الوصول المباشر إلى أسواق الخليج»، وتقوّي مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، التي انضمت إليها الكويت، دورنا كمركز أوراسي منذ عام 2013، عندما أعلنها الرئيس الصيني شي جينبينغ في كازاخستان.
وفي مجال الرقمنة، تتوافق الأهداف، فالكويت تطبّق تقنيات ذكية، بينما تنشئ كازاخستان وزارة للذكاء الاصطناعي والتطوير الرقمي من أجل الرقمنة الكاملة في غضون 3 سنوات من خلال «كازاخستان الرقمية». كما ستسهل السفارة تبادل الخبرات في المدن الذكية والذكاء الاصطناعي، مما يفتح آفاقاً جديدة للأعمال التجارية..
إيليكييف: الدبلوماسية الاقتصادية تقود التعاون الكازاخستاني الكويتي إلى آفاق جديدة
• كيف ترون مستقبل العلاقات الثنائية بين كازاخستان والكويت؟
أرى مستقبلاً مشرقاً وملهماً، حيث تصبح كازاخستان والكويت شريكتين استراتيجيتين، تكملان بعضهما البعض من أجل الرخاء المشترك. والإمكانات هائلة على هذا الصعيد. ففي مجال الاستثمارات، تُعدّ أراضي كازاخستان الشاسعة (75 بالمئة منها صالحة للزراعة) مثالية للاستثمارات الكويتية في مجال الأمن الغذائي، خصوصاً أن الكويت تستورد معظم غذائها، ويمكننا أن نصبح مورداً موثوقاً بها. وقد أشار الرئيس توكاييف الى نجاح بلادنا في تصدير القمح إلى آسيا، بما في ذلك الشحنات الأخيرة إلى فيتنام، وبالتالي نحن على استعداد لتوسيع الصادرات الزراعية إلى الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مما يضمن إمدادات مستقرة من الحبوب واللحوم والسلع الأخرى لأسواقها. ففي 2024 2025، صدّرت كازاخستان 9 ملايين طن من الحبوب، بزيادة 60 بالمئة عن الموسم السابق، ونمت الصادرات الزراعية الإجمالية بنحو 40 بالمئة، لتصل إلى 80 دولة حول العالم.
التقارب الثقافي والروحي مع الكويت يلهمنا لشراكة طويلة الأمد
• كيف تصف الوضع الاقتصادي في كازاخستان اليوم؟
كازاخستان هي تاسع أكبر دولة في العالم وقائدة آسيا الوسطى، بمساحة تزيد على 2.7 مليون كيلومتر مربع. يزيد عدد سكانها على 20 مليون نسمة، ويعيش أكثر من 130 مجموعة عرقية في سلام ووئام، على غرار الطريقة التي تجمع بها الكويت بين التقاليد والحداثة في مجتمعها.
وكازاخستان هي الاقتصاد المهيمن في آسيا الوسطى، حيث تنتج نحو 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، ونحن نقدم مثالاً ملهماً للنمو المستدام.
في عام 2024، بلغ الناتج المحلي الإجمالي نحو 288 مليار دولار، وفي 2025 يتوقع أن يتسارع النمو إلى 6 7 بالمئة، متجاوزًا 300 مليار دولار. ونخطط لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 ملياراً بحلول عام 2029، مما يضمن نمواً سنوياً بنسبة 6 بالمئة من خلال الابتكار والمعرفة.
وبالنسبة للمستثمرين الكويتيين، يفتح هذا الواقع فرصاً ملهمة، حيث تجذب كازاخستان 75 بالمئة من إجمالي الاستثمارات في آسيا الوسطى، وتقدم حوافز ضريبية وإعفاءات من الرسوم الجمركية ومنحاً عينية. وقد جذبت كازاخستان 15.7 مليار دولار في مشاريع جديدة عام 2024، ما يمثّل زيادة بنسبة 88 بالمئة عن عام 2023، أي نحو 63 بالمئة من إجمالي الاستثمارات في المنطقة، مما يؤكد دورنا الرائد في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
وإضافة إلى ذلك، تُعدّ كازاخستان من الدول الرائدة عالمياً في صناعة اليورانيوم. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرّية والجمعية النووية العالمية، تحتل كازاخستان المركز الأول في العالم بإنتاج اليورانيوم، إذ تستحوذ على نحو 40 43 بالمئة من الإنتاج العالمي. كما تُعد من بين الدول التي تمتلك أكبر الاحتياطيات المؤكدة من اليورانيوم، مما يجعلها لاعباً أساسياً في سوق الطاقة العالمي.
من عالم الأعمال والاستثمارات إلى الدبلوماسية
قال السفير إيليكييف إن خلفيته في مجال الأعمال والاستثمارات تكمل دوره الدبلوماسي بشكل مثالي، خصوصاً في عصر أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية والاستثمارية اتجاهاً عالمياً جديداً.
وأضاف: «في العالم الحديث، تتجاوز الدبلوماسية المفاوضات السياسية التقليدية، وتركز بشكل متزايد على إقامة علاقات اقتصادية وجذب الاستثمارات وتحفيز التجارة، مما يساهم مباشرة في ازدهار الشعوب. وهذا أمر مهم، لأن العلاقات المستدامة بين البلدان لا تُبنى فقط على الروابط الثقافية والسياسية، بل أيضاً على المشاريع الاقتصادية المتبادلة المنفعة التي تضمن الاستقرار والنمو».
وتابع: «بصفتي سفيراً ذا خبرة في مجال الاستثمار، يمكنني المساهمة بشكل فعال في هذا المجال: استخدام معرفتي لتحديد القطاعات الواعدة للتعاون، مثل الطاقة والزراعة والتكنولوجيا، وتسهيل المفاوضات بين الشركات في البلدين، والترويج لكازاخستان كشريك موثوق به للمستثمرين الكويتيين».
المصدر: جريدة الجريدة
