بالنار والدم والدمار، «يوقّع» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «حرق الحدود» أمام حربه متعدّدة الجبهة التي بات يخوضها على طريقة الـ unstoppable ويشكّل لبنان إحدى وُجهاتها الرئيسية التي لم تنطفئ منذ «طوفان الأقصى».

فمن غزة التي بدأ الجيشُ الإسرائيلي غزوَ مدينتها غير آبه بكل الاعتراضات العربية والدولية، مروراً بلبنان حيث استعاد الطيرانُ الحربي غاراته التدميرية على أبنية «منتقاة» في النبطية، وصولاً إلى الحديدة في اليمن، رسّم نتنياهو من جديد «ملعب النار» المترامي الذي لم يتوانَ عن توسيعه في 9 سبتمبر الجاري ليطول العمق الخليجي وتحديداً قطر، في عدوانٍ صادِم وسافر هبّ للتنديد به العالمان العربي والإسلامي عبر القمة الطارئة في الدوحة ومخرجاتها الاستثنائية.

قوات إسرائيلية في جنوب سوريا (أرشيفية)

ورغم الانشغال بالمشهدية المروّعة في غزة وقراءة نتائج قمة الدوحة، فإن مخاوف تتعاظم في لبنان من أن يكون «التالي» على «لائحة أهداف» التصعيد الإسرائيلي الرامي إلى محاولةِ «اجتثاث» ما تَعتبره تل أبيب مَخاطر «وجودية» لابد من الانتهاء منها «لمرة واحدة وأخيرة».

وتَتعزّز هذه المَخاطر في ضوء الممانعة الصارمة من «حزب الله» لتسهيل مهمة لبنان الرسمي لجهة سحْب سلاحه، وإصرار الحزب على أُطرٍ ناظمة لمعالجته تستبطن في جوهرها محاولة شراءَ وقتٍ لتمييع هذا الملف أو إغراقه بشروط تُفَرِّغ قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة من مضمونه وتستنبط في خفاياها العميقة معادلاتٍ لا يمكن تَصَوُّر إغفالها من الحزب وطهران وتلاقي النموذج الإيراني القائم على «جيش وشعب وحرس ثوري»، والذي صارت له امتداداتٌ في أكثر من ساحة، ويُراد تكريسها في «بلاد الأرز» عبر صيغة ما تتمحور حول «جيش، شعب ومقاومة».

ولم يكن عابراً أن توجّه إسرائيل ما بدا «رسالة تذكيرية» خطيرة بأنّها «تضع الإصبع على زناد» الارتقاء في اعتداءاتها لِما هو أبعد من الضربات «الروتينية» التي لم تتوقف منذ اتفاق 27 نوفمبر الماضي، وذلك عبر الغارة على النبطية ليل الاثنين، وسط إعلان جيشها أنه استهدف «مقر قيادة لحزب الله حيث يُعتبر وجود هذا المقر في المنطقة انتهاكاً للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان»، متّهماً الحزب بأنه يستمر بـ «محاولاته لإعمار بنى تحتية ارهابية في أنحاء لبنان معرضاً مواطني لبنان للخطر مستخدماً اياهم دروعاً بشرية».

وفي تقرير لـ «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية، فان سكان حي كسار زعتر في مدينة النبطية استفاقوا أمس على حجم الكارثة التي أصابت منطقتهم جراء العدوان الذي استهدف بناية دغمان المأهولة بغارة جوية أدت إلى وقوع 14 اصابة بين المدنيين بينهم أطفال.

وعملت منذ الصباح ورش أشغال على رفع الأنقاض والردميات من محيط المبنى المستهدف والمؤلف من 5 طبقات استهدفته الطائرات الإسرائيلية بصواريخ أصابت السقف الخامس للمبنى واخترقت بقية الاسقف لتستقر في الطبقة الاولى وتلحق به اضراراً كبيرة.

كما تَسَبَّبَتْ الغارةُ بأضرار كبيرة في المباني والمحال التجارية المجاورة، وبالعديد من السيارات المركونة في الشوارع المحيطة بالمبنى المستهدف، اضافة إلى أضرار بشبكتيْ الكهرباء والهاتف.

«الرسائل المتبادَلة»

في موازاة ذلك، يُنتظر أن تشكل الأيام الفاصلة عن الذكرى الأولى لاغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله (28 سبتمبر) ثم خليفته هاشم صفي الدين، مَسْرحاً لمزيدٍ من الرسائل المتبادَلة بين الحزب وإسرائيل، وسط مؤشراتٍ إلى رغبة الأول في تحويل هذه المناسبة فسحةً لـ «عرض قوة» شعبي، برسْم تل أبيب كما لبنان الرسمي في ضوء جَدْولته قرار سَحْبِ سلاحه عبر خطةٍ للجيش من 5 مراحل تشمل الأولى استكمال تفكيك الترسانة العسكرية للحزب جنوب الليطاني (حتى 31 ديسمبر)، وهو ما يُقابَل بمعاندةٍ معلَنة غالباً ما عبّر عنها الشيخ نعيم قاسم وقادة آخَرين بمواقف لم تْخَلُ من تحذيرات مبطّنة من أي تطبيق «بالقوة» لمسار حصْر السلاح.

وقد أعلن مسؤول وحدة الأنشطة الإعلامية في الحزب الشيخ علي ضاهر، برنامج الفعاليات الخاصة بإحياء الذكرى السنوية الأولى لاغتيال نصرالله وصفي الدين، موضحاً أن سلسلة الأنشطة ستنطلق في 25 سبتمبر وتتواصل حتى 12 اكتوبر المقبل، مشيراً إلى أن اليوم الأول سيتضمن إضاءة صخرة الروشة في بيروت بصورتي الأمينين العامين السابقين بالتزامن مع فعاليات بحرية.

ويتضمن البرنامج تكريم جرحى «البيجر» في الأول من اكتوبر، على أن تُختتم الفعاليات بتجمع كشفي واسع في المدينة الرياضية في بيروت بتاريخ 12 اكتوبر، وصف بأنه الأكبر من نوعه في لبنان.

انفجار مرفأ بيروت

في هذا الوقت، اتخذ ملف انفجار مرفأ بيروت منحى مفاجئاً مع كشف ناطقة باسم محكمة صوفيا توقيف مالك سفينةٍ مطلوب على خلفية التحقيق في هذا الانفجار الذي وقع في 4 اغسطس 2020 وأدى إلى سقوط أكثر من 230 ضحية وجرح نحو 6500 وتدمير نصف العاصمة اللبنانية.

وأوضحت أنه ألقي القبض على مالك السفينة «روسوس» في بلغاريا، وفق ما نقلت «فرانس برس»، مشيرة إلى أن الموقوف إيغور غريتشوشكين «وُضع رهن الاحتجاز لمدة أقصاها 40 يوماً بموجب قرار صادر عن المحكمة في 7 سبتمبر الحالي، وأُكّد في الاستئناف».

بدوره، أكد مصدر قضائي بلغاري آخَر، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن غريتشوشكين أوقف لدى وصوله من بافوس (قبرص) تنفيذاً لنشرة حمراء صادرة عن الإنتربول.

وينص القانون البلغاري على منح السلطات التي تطلب تسليم المطلوبين مهلة 40 يوماً لتقديم الوثائق اللازمة لتبرير نقلهم.

وكانت السلطات اللبنانية أعلنت سابقاً أن المواطن الروسي القبرصي إيغور غريتشوشكين البالغ 48 عاماً هو مالك سفينة «روسوس» التي كانت تحمل شحنة نترات الأمونيوم التي تمّ تخزينها في ميناء بيروت حيث رست في 2013، وانفجرت في الرابع من أغسطس 2020.

وفيما أكّد وزير العدل اللبناني عادل نصار «أنّنا سنتابع ملف القبض على مالك سفينة روسوس مع جميع السّلطات المختصّة في بلغاريا»، أفادت قناة «الجديد» بأن «القضاء وعبر النيابة العامة التمييزية تبلغ بالتوقيف وهو بصدد تحضير ملف استرداد لعدم وجود اتفاقية تبادل بين لبنان وبلغاريا. كما أن ⁠ملف الاسترداد سيتضمن معطيات قانونية تؤكد للسلطات البلغارية أهمية تسليم مالك السفينة وضرورة التعاون لاستجوابه ضمن تحقيقات ملف المرفأ اذ يمكن الوصول إلى حقائق أساسية ومهمة عن الحمولة ومالكها ووجهتها».

وفي المعلومات «أن طلب الاسترداد سيسلك مساره بالأطر القانونية من النيابة العامة عبر وزارة العدل إلى السلطات البلغارية التي ستقرر إما تسليم الموقوف إلى لبنان وإما تركه في بلغاريا وإما إعادته موقوفا إلى بلده الأم روسيا».

وأضافت أنه «في حال رفضت بلغاريا التعاون مع لبنان لا مانع قانونياً من توجّه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إلى بلغاريا أو روسيا لاستجوابه بعد التنسيق مع السلطات القضائية هناك، رغم وجود عقبات قانونية في الوقت الحالي بينها منع السفر بحق البيطار» في إطار دعاوى مخاصمة وردّ بحقه من مدعى عليهم من سياسيين وإداريين وصولاً إلى الادعاء عليه من النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، وهو المسار الذي جمّد التحقيق لفترة طويلة قبل استئنافه مطلع السنة.

المصدر: الراي

شاركها.