في الحلقة الثالثة من سلسلة «رُفعت الجلسة»، يكشف الزميل المحامي د. حسين العبدالله عن واحدة من أكثر القضايا صدمة في تاريخ قصر العدل الكويتي، إنها جريمة قتل حدثت داخل المبنى القديم، والتي قد تزول آثارها من ذاكرة المبنى بزواله، لكنها ستبقى قصة تروى لمجرم قرر تنفيذ جرمه في قلب المؤسسة القضائية.
الجريمة التي وقعت في صباح أحد أيام شهر أغسطس من عام 2000، حين فجع العاملون في قصر العدل بجريمة طعن دامية بالسرداب الثاني للمبنى، داخل إدارة الشؤون الهندسية، حولت المبنى بشكل صادم إلى مسرح لجريمة قتل بشعة، استخدم فيها الجاني سكيناً كان قد نجح في إدخاله خلسة إلى داخل المبنى.
ورغم وجود أجهزة كشف المعادن، ورجال الأمن المنتشرين على المداخل، فإن المتهم وهو موظف يعمل في الشؤون الهندسية تمكن من تجاوز كل الحواجز، ونجح في إدخال السلاح الأبيض، بعدما خبأه بعناية في جيبه، وما إن دخل المبنى حتى توجه مباشرة إلى زميله في العمل، ثم عاجله بعدة طعنات قاتلة أنهت حياته على الفور.
الذهول خيم على المكان، موظفو قصر العدل، ومنهم من يعمل في المحاكم والنيابات، لم يصدقوا أن الدماء سالت داخل حرم العدالة، الحدث لم يكن مجرد جريمة قتل، بل ضربة مؤلمة لصورة العدالة وهيبتها، كيف لمكان يفترض أن يكون أكثر الأماكن أمناً ورقابة، أن يتحول إلى ساحة دم بهذه الطريقة؟
لكن وبعد أيام قليلة من وقوع الجريمة، بدأت تتكشف خيوط الواقعة. الجاني، في التحقيقات، برر فعلته بوجود «خلافات شرفية» بينه وبين المجني عليه، لم يكن هناك تفصيل دقيق حول هذه الخلافات، لكنها، وفق ما صرح به الجاني، كانت سبباً مباشراً لما أقدم عليه، ومع ذلك، فإن بشاعة التنفيذ، وتوقيت الجريمة، ومكان وقوعها، كلها عناصر جعلت هذه القضية مختلفة عن أي جريمة قتل أخرى.
وهو ما دفع العدالة إلى اتخاذ الإجراءات القضائية بسرعة وحزم، لتصدر المحكمة حكمها الرادع بإعدام الجاني، وهو الحكم الذي نُفذ لاحقاً، محمولاً برسالة قوية مفادها أن الجريمة لا مكان لها والعقوبة واحدة مهما كان الظرف أو الموقع.
اليوم، وبعد مضي أكثر من عقدين على تلك الحادثة، أعادت «رفعت الجلسة» فتحها للتوثيق قبل أن تطوي الذاكرة ما كان، فمبنى قصر العدل نفسه الذي شهد الجريمة مقبل على مرحلة جديدة، ستبدأ بترميمه أو ربما هدمه بالكامل.
وقد حظيت تلك المحاكمة وقتها باهتمام إعلامي كبير، كونها أول جريمة ترتكب داخل قصر العدل من زميل إلى زميله، فضلاً عن بشاعة الجريمة التي تمت، والأسلوب الذي اتبعه المتهم في إدخال السكين وارتكابها.
ولم يتوقف سر الاهتمام الإعلامي عند ذلك، بل لأن أغلب العاملين في قصر العدل ارتادوا على حضور تلك الجلسات، وكذلك لبيان الأسباب التي دفعت المتهم إلى ارتكاب جريمته داخل قصر العدل تحديداً، وهو المكان الذي يفترض أن يحاسب الناس على جرائمهم خارجه.
جدير بالذكر أن الجريمة تسببت في تشديد الإجراءات الأمنية تجاه الموظفين ومرتادي قصر العدل، ومنع دخول أي أجهزة أو معدات أو حتى آلات حادة، على اعتبار أن الثغرة التي تسببت في ارتكاب هذه الجريمة عن طريق قيام هذا المتهم، الذي كان موظفاً، بإدخال سكين داخل مبنى قصر العدل عن طريق إحدى البوابات، واستطاع تخبئته دون أن تتمكن الأجهزة الخاصة بالكشف من العثور عليه أو حتى بيانه، ولذلك بعد هذه الواقعة تم تشديد الإجراءات الأمنية لدخول مبنى قصر العدل، فيما يتعلق بإدخال المواد، أو حتى اكتشاف الأسلحة، أو حتى المعدات والآلات التي قد تستخدم في ارتكاب بعض الوقائع.
المصدر: جريدة الجريدة