تعدين العملات الرقمية… هل يمكن ضبطه قانونياً؟

مع التحرك الحكومي الملموس في ضبط منازل تصنيع العملات الرقمية المشفرة، وإعلان أن نشاط التعدين يخالف 4 قوانين «الجزاء، والاتصالات، والبلدية، والصناعة»، كشف عدد من الخبراء القانونيين أن التشريعات المحلية لم تنصّ صراحة على تجريم التعدين، غير أنهم اقترحوا في الوقت ذاته مواكبة العصر، وبحث مدى إمكانية إصدار تشريعات تنظم مسألة تعدين هذه العملات وتداولها.
قبل الخوض في آراء المتحدثين عن تصنيع العملات الرقمية المشفرة في المنازل، وعودة إلى أرض الواقع، فإن مسألة تعدين العملات الرقمية لم تظهر بين عشية وضحاها، إذ مرّ قرابة عقد من الزمن على ظهورها، وانتشرت الأجهزة الخاصة بها في الأسواق المحلية، وتزايد الطلب عليها منذ عدة سنوات، حتى ارتفع مع أسعار الطلب عالمياً ومحلياً، وتوافرت الأجهزة بشكل واضح للعيان. وشكّل سوق العملات الرقمية في الاقتصاد العالمي اليوم نحو 3 تريليونات دولار، وقامت أكثر من 100 دولة باتخاذ إجراءات تشريعية واضحة وصريحة مختلفة، ما بين تشريع وتجريم مسألة التعدين أو حتى التعامل فيها منذ عدة سنوات، فهل غياب النصوص التنظيمية الصريحة ترك الباب مفتوحاً أمام «المُعدنين»؟ وهل آن الآوان لتنظيم التعدين بالقانون؟
في الكويت أسفرت الجهود الحكومية عن ضبط نحو 47 منزلاً في الوفرة السكنية، ويواجه المخالفون عقوبات تصل إلى الحبس لنحو 10 سنوات بموجب مخالفتهم لأربعة قوانين، وترتب على هذا الضبط وفر في استخدام الكهرباء، بحسب بيان وزارة الكهرباء يصل إلى 60 في المئة، تمثل ما تبلغ قيمته نحو 15 مليون دينار نظير إنتاج الكهرباء المستهلكة في التعدين.
سوق العملات الرقمية في الاقتصاد العالمي اليوم يشكل نحو 3 تريليونات دولار
وتبرز مسألة الجوانب القانونية في آلية التعامل مع هذه المسألة، في وقت استكملت «» دورها وسلطت الضوء على مسألة «التعدين» من الناحية القانونية، واستطلعت رأي عدد من الخبراء القانونيين إزاء الوضع القانوني لهذه المسألة، وأجمعوا على وجود قصور تشريعي لتنظيم مسألة تعدين العملات الرقمية أو حتى تداولاتها، لكن القوانين المعمول بها حالياً قد تتكيف مع القضية بحسب وقائعها، التي قد تنتهي بحبس من يقومون بتعدين العملات المشفرة في المنازل.
تهديد للبنية التحتية
وقال أستاذ القانون الجزائي في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد بوزبر لـ «»، إن الأنظمة التشريعية الحالية في الكويت قد تعاني قصوراً بمواجهة أنشطة تعدين العملات الرقمية أو حتى تداولاتها، داعياً في الوقت ذاته إلى تشريعات تتواكب مع مسألة العملات الرقمية، وتحدد الأعمال المجرمة فيها وأسس ممارستها في حال قررت الدولة تنظيم العمل بها من ناحية التعاملات أو ترخيص مسألة تعدينها.
محمد بوزبر: انتشار متسارع لأنشطة تعدين العملات المشفرة في الكويت
وأوضح بوزبر أن هناك انتشاراً متسارعاً لأنشطة تعدين العملات المشفرة في الكويت واستغلال القائمين على هذا النشاط لمزايا انخفاض تكلفة الطاقة الكهربائية في البلاد، دون النظر إلى المخاطر الجسيمة، التي باتت تترتب على مثل هذه الممارسات، ونعني بذلك استنزاف موارد الطاقة في الكويت، وتهديد سلامة البنية التحتية لشبكات الكهرباء والاتصالات، كذلك الأثر البيئي السلبي المترتب أيضاً على الارتفاع الكبير في استهلاك الطاقة والانبعاثات الحرارية، فضلاً عن المخاطر الاقتصادية والأمنية المرتبطة باستخدام مثل هذه العملات المشفّرة كأداة محتملة لغسل الأموال أو تمويل أنشطة غير مشروعة.
واستطرد: بالنظر إلى التشريعات الكويتية الحالية القائمة، ونعني بذلك قوانين الجزاء وتنظيم هيئة الاتصالات والصناعة نرى أنها، وإن كانت حالياً تتعامل مع هذه الظاهرة، لكن هذه التشريعات لم تُصغ أصلاً لمعالجة الأنشطة الرقمية المعقدة مثل نشاط التعدين، وهذا قد يؤدي إلى قصور ظاهر في مواجهة هذه الظاهرة بشكل كبير، خصوصاً قصور هذه التشريعات في وضع توصيف دقيق للفعل المجرم، موضحاً: «نعني الفعل المجرم للتعدين وتحديد أركان وعناصر هذا السلوك وأيضاً تحديد العقوبات المتناسبة مع خطورته، بالتالي نحتاج إلى تشريعات تتواكب مع تعدين العملات المشفرة تحديداً».
وأضاف بوزبر: «نرى من الضروري ومن مقتضيات التطور التشريعي في دولة الكويت أن يكون هناك قانون خاص يعنى بتنظيم وتجريم نشاط تعدين العملات المشفرة، وإن رأى هذا القانون النور مستقبلاً ينبغي أن يحدد على وجه الدقة نطاق النشاط المجرم وأركان الجريمة والعقوبات الرادعة المقررة لها، وأيضاً تنظيم هذه الأنشطة في حال الترخيص لممارستها في مسألة منح مثل هذه التراخيص إن رأت الدولة مستقبلاً أن ترخص مثل هذا النشاط لمن تتوافر فيه الشروط القانونية والمهنية وفق الضوابط التي تكفل حماية المصلحة الوطنية».
الأصول الافتراضية
بدوره، قال المستشار د. نواف الشريعان لـ «»، إننا اليوم بحاجة إلى تعديل تشريعي متعلق بالأصول الافتراضية، لمواكبة التطور في شكل وصورة النقود في وضعها الحالي، سواء عبر وسائل الدفع الحديثة أو الأموال وانتقالها كقيد، لا كما كان معهوداً في السابق فقط بأنها أموال سائلة، سواء ورقية أو عملات نقدية أو غير ذلك.
نواف الشريعان: تعدينها يشكل جريمتَي غسل أموال وسرقة مال عام
وأوضح الشريعان أن بعض الدول بدأت الحديث عن تنظيم العملات الرقمية تحت إشراف بنوكها المركزية، لذا قد نشهد في المستقبل القريب تشريعات تنظم هذه المسألة، أما اليوم وبحسب القوانين الحالية، فإن العملات الرقمية لا تعتبر نقوداً، إنما ينظر إليها باعتبارها أصولاً افتراضية، ولا تحتفظ بالمقومات الأساسية كنقد، مشيراً إلى أن من أهم خصائص النقود أنها مقومة للأشياء ومخزناً للقيمة ووسيطاً للتبادل.
وذكر الشريعان أن العملات الرقمية إذا لم تنظم بقانون، فلن يصدق عليها القول إنها نقود، بالتالي قد تتصادم نصوص التشريعات الحالية مع مسألة تعدين العملات الرقمية، كما هو الوضع الحالي بشأن استخدام الكهرباء في تعدين هذه العملات الافتراضية، لذا فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى وضع قواعد وأسس قانونية لتنظيم مسألة العملات الرقمية لتحمي الدولة ونظامها واقتصادها الوطني.
بعد عقد من الزمن على ظهور التعدين انتشرت أجهزته في الأسواق المحلية وتزايد الطلب عليها
ولفت الشريعان إلى أن مسألة تعدين العملات الرقمية بشكله الحالي اليوم قد يشكل جريمة وفقاً لنظر سلطات التحقيق، حتى وإن استخدمت الكهرباء بشكل يخالف حقيقة استخدامها، فقد تعتبر جريمة كما الحال في سرقة التيار الكهربائي أو إتلاف عداد الكهرباء.
وتابع أنه قد يترتب على سرقة التيار الكهربائي عدة جرائم بحسب كل قضية وظروفها، وقد تصل إلى جريمة غسل أموال في بعض الحالات، لكن هذا يتوقف على شكل الجريمة في الحصول على التيار الكهربائي، ففي حال كان من قام بها موظف عام، ففي هذه الحالة تخضع لقانون حماية الأموال العامة، أما إذا قام بها أشخاص آخرون فقد تشكل جريمة سرقة تيار كهربائي، سواء عبر الحصول على تيار كهربائي من مصدر غير مرخص أو إتلاف عداد الكهرباء، وقد تقترن تلك الجرائم بجرائم أخرى كجريمة غسل الأموال، كما في حال تمويه مصادر تلك الأموال المتحصلة من جريمة سرقة التيار الكهربائي، لافتاً إلى أن جهات التحقيق قد تكتشف أموراً أخرى ليست ظاهرة حالياً، وهذا كله متوقف على ما ستصل إليه الجهات المعنية في النهاية.
رسم بياني يوضح حجم تداولات العملات الرقمية منذ عام 2015
هكذا يتم تعدين العملات المشفرة
تعدين العملات الرقمية عبارة عن عملية استخدام أجهزة كمبيوتر قوية لحل مسائل رياضية معقدة، يهدف إلى التحقق من صحة العمليات التي تتم باستخدام العملات الرقمية، مثل «البتكوين» وغيرها، وتسجيلها بشكل آمن في سجل إلكتروني عالمي يمكن تشبيهه بـ«دفتر حسابات لعمليات البيع والشراء» يطلق عليه اسم «البلوكشين».
بوصف آخر، يمكن تشبيه الأمر بسوق إلكتروني ضخم، يحتاج إلى أشخاص يراجعون كل عملية بيع وشراء للتأكد من أنها عمليات صحيحة، ومن ثم يسجلونها في دفتر حسابات مشترك لا يمكن تغييره أو تزويره، لكن بدلاً من المراجعة اليدوية، تقوم بهذه المهمة أجهزة الكمبيوتر عبر حسابات معقدة، ومن ينجح في حل هذه الحسابات وتسجيل المعاملة يحصل كمكافأة على جزء من العملات الرقمية، يمكن بيعها لاحقاً نظير استخدام الأشخاص لأجهزة كمبيوتر عالية السرعة واستهلاك الطاقة الكهربائية لتنفيذ تلك العمليات الحسابية المعقدة.
ويعتبر نشاط التعدين جزءاً أساسياً في بناء منظمة الاقتصاد الرقمي التي تقوم عليه العملات الرقمية، باعتباره يحافظ على أمان العملات الرقمية واستمرار عملها.
حسين العبدالله
العبدالله: فراغ تشريعي بشأن تنظيم تعدينها وتداولها
أكد المحامي د. حسين العبدالله أنه لا يوجد قانون يجرم نشاط تعدين العملات الرقمية على نحو واضح وصريح، إنما هناك مجموعة من القواعد والقوانين التنظيمية بشأن الأنشطة التجارية والصناعية، التي تنظمها بعض الجهات الحكومية المعنية، منها الهيئة العامة للصناعة، وبلدية الكويت، والهيئة العامة للاتصالات، وتقنية المعلومات، موضحاً أن تلك القواعد القانونية سوف يستعان بها في الواقعة، التي أعلنتها وزارة الداخلية، التي سينظر على أنها مخالفة لممارسة بعض الأنشطة واستخدام الأحمال الكهربائية على النحو غير المقرر بالتصريح من المؤسسة العامة للرعاية السكنية ووزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة للقطاع السكني.
وبين العبدالله لـ «» أن ما سينظر إليه أمام القضاء مدى صحة مزاولة النشاط الصناعي ومدى سلامة النشاط من عدمه، مضيفاً أنه في الوقت الراهن لا توجد لدينا قوانين تنظم عملية ممارسة ونشاط استخدام وتداول وتعدين العملات الرقمية داخل الكويت، ما يشير إلى وجود فراغ تشريعي في مسألة العملات الرقمية.
ولفت إلى أن هناك دولاً اليوم لديها ترخيص لمسألة التعامل في العملات الرقمية ومسألة تعدينها وتقع تحت مظلة الأجهزة الرقابية المعنية لديها، مثل دولة الإمارات، والأمر الذي قد تتحقق منه عوائد مالية لخزينة الدولة عبر الأطر التنظيمية الخاصة بمسألة ترخيص العملات الرقمية، بما يسمح بتداولها، خصوصاً أن العديد من دول العالم، ومنها إقليمية نظمت تداولها وفتح حسابات لها ورخصت مسألة التعدين وفق ضوابط وأطر محددة.
المصدر: جريدة الجريدة