أشاد وزير الخارجية، عبدالله اليحيا، بالعلاقات الكويتية البريطانية، والتي وصفها ب«العميقة والمتجذرة».
وفي تصريح صحافي على هامش مشاركته في احتفالية السفارة البريطانية بعيد ميلاد الملك تشارلز، الذي أقيم مساء الخميس الماضي بحضور وكيل وزارة الدفاع الشيخ د. عبدالله المشعل، وعدد كبير من الضباط الكويتيين رفيعي المستوى، ورؤساء البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية المعتمدة لدى البلاد وعدد من المسؤولين والشخصيات العامة، قال اليحيا إن «علاقة البلدين امتدت إلى أكثر من 250 سنة بدأت بعلاقات تجارية، إلى أن أصبحت شراكة استراتيجية»، متمنياً «استمرار هذه العلاقة بأعوام كثيرة مقبلة».
ولفت اليحيا إلى ما أشار إليه سفير المملكة المتحدة المعين قدسي رشيد في كلمته حول موقف السفير البريطاني أثناء الغزو، بالقول: «للأمانة أول مرة أسمع هذه القصة الجميلة عن تجربة السفير البريطاني خلال فترة الغزو. طلبت من السفير تزويدي بتفاصيل أكثر»، مؤكداً «ضرورة توثيق هذه القصة التي تؤكد حجم ونوع وأهمية العلاقة الكويتية البريطانية»، وأضاف: «هذا إن دل على شيء إنما يدل على عمق العلاقات الكويتية البريطانية».
وحول التعاون ما بين البلدين في إطار لجنة التوجية المشتركة، قال اليحيا إن «الاجتماعات في هذا الإطار مستمرة، وخطة العمل المشتركة الكويتية البريطانية ممتازة، وتسير على الطريق السليم، وقابلة للتطوير في كل مناسبة».
وعن المواقف الكويتية البريطانية إزاء القضايا الدولية، قال اليحيا «ان وجهات النظر بين بلدينا متطابقة»، مشيراً إلى أن «استمرار وقف النار في غزة هو المعيار الأساسي، وبعدها يمكن مناقشة الموضوع لحماية الشعب الفلسطيني».
رشيد: عندما بدأ الغزو رفض السير مايكل مغادرة السفارة المحاصرة بقوات صدام 5 أشهر
من جانبه، قال سفير المملكة المتحدة المعين لدى البلاد، قدسي رشيد، في تصريح صحافي «إنه لشرفٌ عظيمٌ لنا أن يكون معنا وزير الخارجية في هذه المناسبة التي تُعبّر عن بريطانيا حقاً».
وأضاف: «هذه المشاركة تأكيد على عمق علاقة المملكة المتحدة بالكويت وأيضاً بالعائلة المالكة، وبالملك نفسه، وهي فرصةٌ لنا جميعاً للتجمع للاحتفال به، وبالعلاقة بين بلدينا».
وفي كلمة ألقاها أمام الحضور، رحب السفير بالضيوف المشاركين في هذه الاحتفالية بالقول: «منذ أن وصلت إلى الكويت شعرت بترحيب وكرم الكويتيين» معرباً عن شكره العميق «لحسن الضيافة في هذا البلد العزيز على قلوبنا».
وقال: «وصلتُ أنا وزوجتي إلى الكويت منذ فترة وجيزة فقط، لكن قبل أن أبدأ حديثي هذا المساء، اسمحوا لي أن أتقدّم إليكم بخالص الشكر على حفاوة الترحيب التي غمرتمونا بها. لقد كان ترحيباً صادقاً وسخياً، وجعل الكويت تبدو منذ اللحظة الأولى كأنها موطنٌ ثانٍ لنا».
وأضاف: «عندما تأملتُ ما يمكن أن أتحدّث عنه هذا المساء، وجدت أن هناك الكثير من الجوانب التي تستحق الذكر. كان بإمكاني أن أتطرّق إلى الصداقة الشخصية التي تجمع أسرتَي الحكم في بلدينا، تلك الرابطة القائمة على الاحترام والمودة المتبادلين عبر أجيال، وكان بإمكاني أن أتحدث عن علاقاتنا التجارية التاريخية التي بدأت قبل 250 عاماً، عندما أبحر التجار البريطانيون إلى الخليج وأسّسوا واحداً من أقدم الشراكات التجارية بين أوروبا وهذه المنطقة، وهي شراكة لاتزال مستمرة حتى اليوم عبر العديد من الشركات التي تستثمر وتبتكر وتعمل في المملكة المتحدة والكويت، كما كان بإمكاني التطرّق إلى الروابط السياسية التي استمرّت لأكثر من 125 عاماً، وإلى العلاقات الإنسانية، من آلاف الطلبة الكويتيين الذين يدرسون سنوياً في بريطانيا، إلى العائلات الكويتية التي تزور لندن ومانشستر وإدنبرة وتعدّها موطناً ثانياً، وإلى الجالية البريطانية هنا في الكويت التي أسهمت كثيراً في حياة هذا البلد».
أضاف: «بدلاً من سرد محطات العلاقة بين بلدينا، اسمحوا لي أن أروي لكم قصة حقيقية عن أحد السفراء الذين سبقوني».
كان اسمه السير مايكل ويستون، وقد شغل منصب سفير بريطانيا في واحدة من أحلك مراحل تاريخ الكويت الحديث: عام الغزو عام 1990.
وتابع رشيد: «عندما بدأ الغزو، تم إجلاء الكثير من الدبلوماسيين والرعايا الأجانب، لكن السير مايكل اتخذ قراراً مختلفاً. لقد اختار أن يبقى، ورفض أن يغادر موقعه. وعلى مدى 5 أشهر كاملة، بقيت مباني السفارة هذه السفارة ذاتها التي نقف فيها الآن محاصرة ومحاطة بقوات صدام. قُطعت الكهرباء، وتوقّف تدفّق المياه، ونفدت الإمدادات. داخل المبنى، تحمّل السير مايكل وفريقه الصغير ظروفاً بالغة القسوة، عاشوا على المعلبات التي عثروا عليها في مخازن السفارة، وحين نفدت آخر قطرات الماء العذب، اضطروا للاعتماد على مياه بركة السباحة الراكدة، التي قاموا بتصفيتها وتقنينها للبقاء على قيد الحياة».
وأشار السفير إلى أنه «لم يكن ذلك مجرّد عمل شجاع، بل كان تعبيراً عن مبدأ. لقد بقي السير مايكل، لأنه شعر أنّ ذلك واجبه تجاه بلده، وتجاه شعب الكويت، وتجاه المبادئ التي نتقاسمها. وعندما اضطر أخيراً للمغادرة، غادر على مضض، لكنه ما إن تحرّرت الكويت حتى وفى بوعده وعاد فوراً في الأيام الأولى للحرية، وعاد إلى هذا السكن ليقف مرحّباً برئيس الوزراء البريطاني جون ميجور خلال زيارته للكويت المحررة».
وتابع رشيد: «أشارككم هذه القصة الليلة لأنها في نظري تجسّد جوهر العلاقة بين المملكة المتحدة والكويت: علاقة تقوم على الالتزام، والولاء، والثقة. إنها شراكة تستمر في أوقات الرخاء في الاحتفالات، والاستثمارات، والصداقة كما تستمر في لحظات التحدي، عندما يكون الثبات والتضامن أهمّ ما يكون».
وقال: «بالنسبة لي، وقد وصلتُ حديثاً إلى الكويت، فإن قصة السير مايكل تمثّل مصدر إلهام قوي، وتذكيراً بالامتياز والمسؤولية اللذين يحملُهما هذا الدور: خدمة صداقة صمدت أمام الزمن، وثبتت في أوقات الشدة والأمل على حد سواء».
أضاف: «نحن نتطلّع إلى المستقبل، ندرك جميعاً التحديات التي يواجهها العالم اليوم. فقد تابعنا بحزن وألم كبيرين ما يحدث في غزة من دمار ومعاناة، كما يستمر الغزو غير القانوني لأوكرانيا، وكل ذلك يذكّرنا أننا لا نستطيع مواجهة هذه التحديات وحدنا. يجب أن نعمل معاً شركاء وأصدقاء للحفاظ على السلام، وتخفيف المعاناة، والتمسّك بقيم إنسانيتنا المشتركة».
وختم السفير كلمته قائلاً: «إنني أشعر بالفخر إزاء التاريخ العريق الذي يجمع المملكة المتحدة بالكويت، وبالفخر نفسه لكوني جزءاً من مستقبل سنبنيه معاً. ومع بداية مهمتي هنا مع عائلتي، أتطلّع إلى الأعوام المقبلة في هذا المقر التاريخي، الذي سكنه الكثير من الشخصيات المرموقة عبر السنين، وإلى الصداقات والتجارب التي آمل أن تميّز وجودنا في الكويت، وإلى القيم التي تجمعنا وهي الولاء، والشجاعة، والثقة».
المصدر: جريدة الجريدة
