بصفتي سفيرة جمهورية تركيا لدى دولة الكويت، أشعر بفخر عميق وأنا أتابع النمو المتواصل في قوة العلاقة بين بلدينا، وهي علاقة لا تقتصر على بعدها الاستراتيجي فحسب، بل تتسم أيضاً بروابط أخوية عميقة. وتُعد الزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان للكويت انعكاساً لهذه الصلة الدائمة، ودليلاً على التزامنا المشترك بالسلام والازدهار والتضامن في منطقتنا.

لقد أرست تركيا والكويت شراكة قائمة على الاحترام المتبادل والثقة والتقارب الثقافي. وكان الاحتفال بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الذي جرى العام الماضي، مناسبة للفخر والتأمل، وتذكيراً بمدى ما أنجزناه معاً، وبما يمكن أن نحققه في المستقبل.

وقد شكّلت الزيارة التاريخية التي قام بها سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد لتركيا في مايو 2024 نقطة تحوّل في علاقاتنا الثنائية. كانت تلك أول زيارة رسمية لسموه خارج العالم العربي، وأول زيارة على مستوى أميري لتركيا منذ سبع سنوات. هذا التوجّه ذو الدلالة العميقة أبرز تقدير الكويت لتركيا كشريك إقليمي رئيسي، وفتح فصلاً جديداً في مسيرة العلاقات بين البلدين.

ومن المتوقع أن تُسهم الزيارة المقبلة، التي سيقوم بها الرئيس أردوغان، في تعميق التعاون بين بلدينا أكثر فأكثر، إذ سيتم توقيع اتفاقيات في قطاعات حيوية، مثل التجارة والاستثمار والدفاع والطاقة والنقل والثقافة، وهي اتفاقيات من شأنها أن تعزز العلاقات الثنائية، وتدعم في الوقت ذاته رؤية الكويت 2035 وأهدافها للتنمية المستدامة.

وتمتد شراكتنا أيضاً إلى القضايا الإقليمية، حيث تتقاسم تركيا والكويت مواقف مبدئية وحساسة مشتركة حيال القضايا المصيرية، لا سيما في فلسطين وسورية. وفي ظل هذه المرحلة المليئة بالتحديات، يزداد تعاوننا أهميةً، وأنا على يقين بأن الحوار بين قيادتينا سيسهم إسهاماً فعّالاً في تحقيق السلام الإقليمي وتعزيز الجهود الإنسانية.

لقد كان الدعم السريع والمخلص الذي قدّمته الكويت عقب الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا عملاً عظيماً من أعمال التضامن الإنساني. إن التعاطف الذي أبداه أشقاؤنا وأخواتنا الكويتيون خلال تلك الأيام الصعبة لامس قلوب الملايين. ولن ننسى أبداً اللطف والكرم والتعاطف الذي أظهرته الكويت تجاهنا، فقد خلد في ذاكرتنا الجماعية رمزاً للأخوّة الصادقة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، تواصل شراكتنا ازدهارها. ففي عام 2024، بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي نحو 720 مليون دولار. وتعمل أكثر من 400 شركة كويتية في تركيا، بينما تنشط نحو 50 شركة تركية في الكويت، لا سيما في قطاع الإنشاءات. وتُعد هذه الأرقام مشجعة، ومع الإرادة السياسية القوية من الجانبين، نحن واثقون بأنها ستنمو بشكل أكبر في المرحلة المقبلة.

وكان منتدى الأعمال التركي الكويتي، الذي انعقد في نوفمبر 2024، خطوة محورية في هذا الاتجاه. وقد أدّت الشركات التركية دوراً أساسياً في تطوير البنية التحتية بالكويت، بما في ذلك مشروع مبنى الركاب الثاني في مطار الكويت الدولي. وتقدّم القطاعات التركية الحيوية مثل البناء والدفاع والسياحة والتكنولوجيا فرصاً استثمارية جاذبة للمستثمرين الكويتيين.

كما يظل التبادل الثقافي حجر الزاوية في علاقتنا. فاحتفالاً بالذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية، نظمنا سلسلة من الفعاليات شملت افتتاح قسم للكتب التركية في مكتبة الكويت الوطنية، وحفلات موسيقية، ومعارض فنية، وتدشين جدارية في سوق المباركية. لم تكن هذه الأنشطة مجرّد مبادرات دبلوماسية، بل كانت احتفالات صادقة بتراثنا المشترك ومودّتنا المتبادلة.

وتواصل الروابط بين شعبينا ازدهارها. فالسياح الكويتيون ومالكو العقارات في تركيا، والمهنيون الأتراك العاملون في الكويت، والاهتمام المتزايد لدى الجانبين بتعلّم اللغة والتعرّف على تقاليد الآخر، كلها مؤشرات على علاقة نابضة بالحياة بين مجتمعينا.

وبينما أتأمل المسيرة التي قطعناها معاً، أشعر بالأمل والامتنان. فتركيا والكويت ليستا مجرد شريكين، بل هما أخوان وأختان تربطهما جذور التاريخ والقيم والرؤية المشتركة للمستقبل. ففي كل تحدٍّ نواجهه، وفي كل فرصة نغتنمها، نسير معاً جنباً إلى جنب.

ولعلّ هذه الزيارة المرتقبة تمثل ليس فقط فصلاً جديداً في علاقاتنا الدبلوماسية، بل أيضاً تجديداً للعهد على مواصلة المسير معاً، يداً بيد، نحو مستقبل يسوده السلام والازدهار والصداقة الدائمة.

* سفيرة جمهورية تركيا لدى الكويت

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.