تشهد العلاقات الكويتية الإسبانية تطوراً ملحوظاً في مختلف المجالات، مستندة إلى 6 عقود من التعاون الدبلوماسي، والتفاهم المتبادل، والتقارب الإنساني والثقافي. وفي حوار مع «» أكد السفير الإسباني لدى البلاد، مانويل غمايو، أن تلك العلاقات تشهد زخماً متزايداً في مجالات السياحة والاستثمار والتعليم والتعاون الاقتصادي والعسكري، مشيراً إلى أن آلاف الكويتيين يزورون إسبانيا سنوياً، وأن الاستثمارات الكويتية هناك، خصوصاً في العقار والضيافة، سجلت حضوراً لافتاً خلال العامين الماضيين. وشدد على أن إسبانيا تنظر إلى الكويت كدولة محورية في منطقة الخليج، تتمتع بسجل مشرّف في الوساطة والعمل الإنساني، وتؤدي دوراً مهماً لا غنى عنه في دعم الاستقرار الإقليمي، لاسيما في ظل الأزمات التي تشهدها المنطقة، وأشاد بمواقف الكويت المتوازنة إزاء النزاعات، ودورها البناء في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، وفي دعم وكالة أونروا. وتطرّق الحوار أيضاً إلى فرص التعاون في مجالات الأمن الغذائي، من خلال التكنولوجيا الزراعية الحديثة، والتعليم العالي، عبر زيادة انخراط الجامعات الإسبانية في منظومة الابتعاث الكويتية، إضافة إلى مجالات الطاقة المتجددة، والسكك الحديدية، والصحة، والمشاريع الكبرى ضمن رؤية «كويت 2035»… وفيما يلي التفاصيل.
• نبدأ من العلاقات الثنائية بين إسبانيا والكويت، كيف تصفها؟ وهل هناك زيارات متبادلة لكبار مسؤولي البلدين قريباً؟
في العام الماضي، احتفلنا بالذكرى الـ 60 لإنشاء سفارة لإسبانيا في الكويت. وعلاقاتنا الثنائية لطالما كانت عميقة ومتينة، تقوم على القيم المشتركة، والتقارب الثقافي، والعلاقة الخاصة بين أمراء الكويت، والأسرة المالكة الإسبانية، كما أن علاقات الشعوب بيننا تشهد ازدهاراً، فنرى آلاف الكويتيين يسافرون سنوياً إلى إسبانيا، وخلال العامين الماضيين، تصدر الكويتيون في الخليج الاستثمارات في القطاع العقاري بإسبانيا.
وعلى مر السنوات، طورت إسبانيا والكويت إطاراً رسمياً ومؤسسياً لتعزيز العلاقات في مواضيع مختلفة، ففي مايو الماضي نظمنا في الكويت الاجتماع الثاني للجنة الاقتصادية المشتركة الإسبانية الكويتية، وعقدت عدة اجتماعات مع مسؤولين كويتيين رفيعي المستوى، كما عقدت ورشة عمل في غرفة تجارة الكويت، وقد مهد هذا الاجتماع لتعاون اقتصادي وتجاري أقوى بين البلدين في السنوات المقبلة.
وبالنسبة للمستقبل القريب، نتطلع إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون، والذي يعقد في أكتوبر المقبل بالكويت، ونحن على يقين بأن هذا الحدث الكبير سيوفر فرصاً للاتصالات الثنائية، كما سيعقد منتدى أعمال الاتحاد الأوروبي الخليج في أوائل نوفمبر، ونعوّل على مشاركة عدد كبير من الشركات الإسبانية.
• هل يمكن لإسبانيا أن تسهم في استراتيجية الأمن الغذائي للكويت، وهل بلدكم مستعد لتصدير اللحوم الطازجة أو الحية إلى السوق الكويتي؟
طورت إسبانيا على مر السنوات حلولاً مبتكرة في مجال الأمن الغذائي، بعضها وخصوصاً تلك المتعلقة بالزراعة يتطابق بشكل واضح مع احتياجات الكويت في هذا المجال، ولمواجهة الظروف المناخية الجافة جداً والتي تتشابه في بعض المناطق الجنوبية من إسبانيا مع ظروف الكويت طورت إسبانيا حلولاً في الزراعة الذكية، والبيوت المحمية، والزراعة العمودية، والزراعة المائية، وأحدث التقنيات الزراعية، وهناك شركات إسبانية تعمل في هذا المجال موجودة بالفعل في عدة دول خليجية، وتسعى إلى توسيع نشاطها في الكويت.
وفيما يخص تصدير المواشي، ازداد عدد الشركات الإسبانية المرخصة لشحن الحيوانات الحية (خصوصاً الأغنام والأبقار) إلى دول الخليج خلال السنوات الأخيرة، وتتمتع الصناعة الغذائية الإسبانية بالابتكار والتقدير عالمياً، وتلبي متطلبات الكويت في مجال اللحوم الطازجة.
صناعاتنا العسكرية مهتمة بالتعاون في تحديث تجهيزات القوات المسلحة الكويتية
التعاون العسكري
• ما نوع التعاون العسكري القائم حالياً بين إسبانيا والكويت؟ وهل هناك برامج تدريب مشترك؟
قواتنا المسلحة مستعدة لزيادة وتيرة التواصل والتعاون مع القوات المسلحة الكويتية، بما يتماشى مع مستوى العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الجيدة جداً بين بلدينا. كل عام، تصدر وزارة الدفاع الإسبانية «برنامج التعاون الدولي في التعليم العسكري»، الموجه خصيصاً للطلاب الأجانب، وأدعو وزارة الدفاع الكويتية إلى الاستفادة من هذه الفرصة التعليمية.
في الوقت الحالي، تركز العلاقات العسكرية بين إسبانيا والكويت بشكل أساسي على القطاع التجاري. الصناعة العسكرية الإسبانية مهتمة جداً بالتعاون في تطوير وتحديث تجهيزات القوات المسلحة الكويتية، وقد تواصلت بالفعل عدة شركات عسكرية إسبانية بارزة مع وزارة الدفاع الكويتية للمشاركة في المناقصات العامة.
وأشير في هذا السياق الى أن شركة بناء السفن الحربية الإسبانية الرائدة NAVANTIA مؤهلة جداً للمشاركة في تحديث وتطوير الأسطول العسكري الكويتي، علما بأن NAVANTIA شاركت في مناقصة عامة قبل عامين لتحديث الأسطول الساحلي الكويتي، بيد أن المشروع أُلغي لاحقاً، وتعتزم الشركة المشاركة في المناقصات المقبلة، كما أن شركة الدفاع الرائدة الأخرى INDRA تعمل بالكويت في قطاعات مدنية، وتعد من الشركات العالمية في تصميم وتصنيع الرادارات، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والدفاع السيبراني، وأنظمة القيادة والسيطرة، وتبدي اهتماماً كبيراً بالتعاون مع وزارة الدفاع.
نأمل عودة الربط الجوي المباشر بين مدريد والكويت قريباً
الكويت وحلّ النزاعات
• كيف تقيّمون مواقف الكويت ونهجها في التعامل مع الأزمات الإقليمية والعالمية؟
تدرك إسبانيا الدور الحاسم الذي تؤديه دول الخليج في جهود معالجة الأزمات الإقليمية وتحقيق السلام والاستقرار بالمنطقة، وفي مقدمة تلك الدول الكويت، التي تتمتع بسجل مشرف في الوساطة والمبادرات الإنسانية، وتعد من أبرز الداعمين للمنظمات الانسانية. إن التزام الكويت بالوساطة وحل النزاعات أكسبها احتراماً واسعاً على الساحة الدولية. للكويت دور لا غنى عنه في تعزيز السلام والاستقرار بالخليج، والشرق الأوسط، وما بعده.
الاستقطاب السياحي
• تعتبر إسبانيا وجهة سياحية شهيرة حول العالم، فهل ثمة جهود لاستقطاب السياح الكويتيين هذا الصيف؟
لطالما كانت إسبانيا وجهة مفضلة للمسافرين الكويتيين، الذين بدأوا بالسفر إلى إسبانيا منذ النصف الثاني من القرن الماضي، وهذا الاتجاه في ازدياد مستمر، ويعرف الكويتيون جيداً أكثر المناطق السياحية الإسبانية شهرة على الساحل المتوسطي وفي الأندلس، وإلى جانب الطقس الجميل، فإنهم يقدرون بشكل خاص تقليد الضيافة، والجو العائلي، والمأكولات الرائعة، والتراث الثقافي، والسلامة، والبنى التحتية الحديثة.
وبعيداً عن منتجعات الشواطئ والقرى الساحلية التقليدية، أوصي الكويتيين باكتشاف التنوع الكامل لثروات إسبانيا في المناطق الداخلية من البلاد، مثل الطبيعة والحياة البرية في الحدائق الوطنية، والمواقع الثقافية المدرجة ضمن التراث العالمي، وسواحل الأطلسي الشمالية والغربية.
ونأمل في المستقبل القريب أن يُعاد ربط الرحلات الجوية بين الكويت ومدريد، إضافة إلى الخط المباشر الموجود حالياً بين الكويت وبرشلونة، والرحلة الصيفية بين ملقا والكويت.
إسبانيا مستعدة لتصدير حلول مبتكرة للأمن الغذائي وتوسيع التعاون في الزراعة الذكية
التعاون الاستثماري
• ما حجم الاستثمارات الكويتية الحالية في إسبانيا؟ وما أبرز المشاريع أو الشركات الإسبانية العاملة بالكويت؟ وهل هناك مبادرات جديدة قيد الدراسة؟
لقد كانت الاستثمارات الكويتية بإسبانيا خصوصاً في قطاع العقارات والضيافة ناجحة جداً، حيث أدى المستثمرون الكويتيون دوراً رئيسياً في تطوير فنادق وممتلكات تجارية بارزة، خصوصاً في مدن مثل مدريد، ماربيا، وبرشلونة، ومن بين الاستثمارات الكويتية الأخرى في إسبانيا، أود الإشارة إلى شركة «بتروليوم إسبانيا ش. م» التي تعمل في قطاع توزيع الوقود (شبكة محطات وقود تحت علامة Q8).
ويمتلك جهاز الاستثمار الكويتي صندوقاً سيادياً في إسبانيا بقيمة 5 مليارات دولار (بحسب بيانات جهاز الاستثمار لعام 2021)، أي ضعف قيمة محفظته قبل خمس سنوات، ومن جهتها تساهم الشركات الإسبانية في تقدم وازدهار الكويت في عدة مجالات، مثل البنية التحتية المدنية، والطاقة المتجددة، وإدارة المياه، ومشاريع السكك الحديدية، والنقل، والصحة، والأمن الغذائي، وغيرها من المجالات المشمولة في رؤية الكويت 2035.
نثمن الموقف الكويتي المتوازن من أزمات المنطقة ودورها البارز في الوساطة الإنسانية
ومن بين الشركات الإسبانية العاملة بالفعل في الكويت، أود تسليط الضوء على شركتنا الرائدة «تكنيكاس ريونيداس» ودورها المتميز في مصفاة الزور، كما أذكر شركة OHLA، التي قامت ببناء طريق سريع رائع حائز على جوائز دولية، هو شارع جمال عبدالناصر، وتعمل شركة INECO حالياً في مبنى الركاب الجديد بالمطار، وتعمل شركة TSK في مجال الطاقة المتجددة بمنطقة الشقايا، كما تعمل عدة شركات إسبانية أخرى في قطاع الطاقة النفط والغاز.
الكويت تعترف بشهادات 45 جامعة إسبانية
أكد السفير غمايو أن الجامعات الإسبانية تحظى بتقدير كبير في الكويت، التي تعترف بالشهادات الجامعية الصادرة عن 45 جامعة إسبانية. وفي يناير الماضي، صنّفت وزارة التعليم العالي الكويتية قائمة من التخصصات الأكاديمية في خمس جامعات إسبانية بدرجة «ممتاز»، علما بأنه وفقاً لبيانات عام 2022 كان هناك 90 طالباً كويتياً يتابعون دراساتهم في الجامعات الإسبانية.
وأضاف أن «أحد أهدافنا الرئيسية هو إدراج الجامعات الإسبانية في نظام البعثات التابع للحكومة الكويتية، حتى يتمكن المزيد من الطلاب الكويتيين من الحصول على تعليم عالٍ في إسبانيا، علاوة على ذلك توفر الجامعات الإسبانية مجموعة واسعة من البرامج الدراسية المقدمة بالكامل باللغة الإنكليزية»، مذكّراً بأنه في فبراير الماضي، شاركت السفارة الإسبانية لأول مرة في معرض الكويت الدولي للتعليم العالي، بهدف تحفيز اهتمام الطلاب الكويتيين بالعرض الأكاديمي الإسباني.
50 ألف كويتي زاروا إسبانيا في 2024
أفاد السفير الإسباني بأن نحو 50 ألف سائح كويتي زاروا إسبانيا عام 2024، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 18 بالمئة مقارنة بالعام السابق له، لافتا إلى أن «البيانات المتاحة حتى الآن لهذا العام تشير إلى أرقام مماثلة، رغم أننا نتوقع أن تبدأ التأشيرات للكويتيين في الانخفاض السنوات المقبلة، بسبب نظام التأشيرات الجديد طويل الأمد لمواطني الخليج ضمن منطقة شنغن، وهذا التغيير سيسهل التنقل بالتأكيد».
المصدر: جريدة الجريدة