دائماً ما يقابل غياب المبادرة الحكومية مبادرات مجتمعية حية لبثّ روح «الحياة الخضراء»…

هكذا يمكن وصف حال الزراعات التجميلية في المناطق السكنية، فقد بات دور الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية في الاهتمام بالزراعة التجميلية بطرق ومناطق السكن الخاص والنموذجي مهدداً، وذلك من خلال تزاحم كمّ المبادرات التي يقدّمها الأهالي سنوياً لسدّ الفراغ الذي خلّفته الهيئة في ملف تجميل المناطق، وبدأ يتضح جلياً، خلال السنوات الأخيرة، التقصير في زيادة مساحة الرقعة الخضراء وإنقاذ الزراعات التجميلية من التلف، مما جعل المساهمات المجتمعية من أصحاب المنازل تقوم بهذا الدور، بالرغم من انتظارها طويلاً لأرضية خصبة لتنظيم المساحات الفارغة من الجماليات داخل المناطق وبين القسائم.

ولطالما تعذّرت الهيئة بضعف ميزانية الزراعة التجميلية، وهو ما أدى إلى زيادة نسبة التصحر الذي تنتج عنه أتربة متطايرة في الطرق، علاوة على عدم تنفيذ مشاريع التجميل في المناطق الجديدة، مثل مناطق صباح الأحمد وعبدالله المبارك وجنوب عبدالله المبارك وجابر الأحمد والمطلاع، وغيرها، وهي التي تئن من عدم وجود مناظر خضراء، رغم أنها يُفترض أن تزداد بشكل موازٍ مع ازدياد عدد القاطنين.

تعذُّر «الزراعة» بضعف ميزانية الزراعة التجميلية رفع نسبة التصحر وخلّف أتربة متطايرة في الطرق

ولا شك في أن الزراعة التجميلية هي أكبر الحلول الناجعة للحد من الارتفاعات القياسية لدرجات الحرارة، خاصة في فصل الصيف، وقد استدعى ذلك نهوضاً نابعاً من وعي مجتمعي وأيادٍ خضراء لرفع نسبة الأماكن الخضراء، وبالفعل تبيّن ذلك من خلال الثورة المجتمعية والإقبال الكثيف على الثقافة الزراعية، وهو ما بدا يطفو على المنازل في السكن الخاص التي استغلت مساحات مجاورة لها، وانعكس أيضاً في كمّ المبادرات التي تقدّم بها العديد من المواطنين واعتمدها مجلس الوزراء أخيراً، بشأن المبادرات والتبرعات المقدمة من بعض الأفراد والشركات والجمعيات التعاونية الاستهلاكية والمتعلقة بالزراعات التجميلية، وإبراز الجوانب الجمالية في البلاد، وكلّف بمراجعتها لجنة مختصة بمبادرات التنمية الحضرية الخضراء المشكّلة بناء على القرار الوزاري رقم 65 لسنة 2024 الصادر من وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة، وبلغ عدد المبادرات نحو 12 مبادرة لعام 2025، مما يشير إلى وجود تقصير في جانب زيادة المساحات الخضراء.

وهنا كان لزاماً على جهة ممثلة معنية بتنظيم استعمالات الأراضي وإعادة توزيع وترتيب المساحات الفارغة، كالبلدية، والتي تختص بوضع آلية تخصيص وتراخيص ولوائح تنظيمية، بأن تسرع وتعجّل بإصدار لائحة منظمة ومحكمة لزراعة المناطق المملوكة للدولة في مناطق السكن الخاص والنموذجي، والمستغلة للسكن العائلي، والتي اكتملت الخدمات والطرق بها بجميع مناطق الدولة، بشرط الحصول على ترخيص مؤقت من البلدية، وفقا للشروط والضوابط الواردة في هذه اللائحة، ويحظر القيام بالزراعات التجميلية للساحات عبر الشوارع.

ورغم تأخرها، فإن وجود مشروع لائحة بهذا الشكل يعوّض دورا فعالا لجهة تعاني الأمَرّين في ملف الزراعة التجميلية، حيث عرضت اللائحة مواد مختصة لكيفية استغلال المساحات الفارغة بين الجيران، وتحويلها إلى زراعات تجميلية، وذلك بعد عرضها على المجلس البلدي ومراجعتها، مع تحديد غرض لكل بند ينظم طريقة استغلال المساحات بشكل أنسب، وبعد إقرارها في نهاية عام 2023، قابلها وزير البلدية بالرفض لحين وضع التعديلات الأخيرة، وإبقاءها تحت الدراسة المستفيضة، من دون تحديد مدة إنجازها.

تزاحم مبادرات الأهالي جاء لسدّ فراغ أحدثته هيئة الزراعة في ملف تجميل المناطق

وبالرجوع إلى بعض تفاصيل اللائحة، فقد حددت مدة الترخيص 4 سنوات قابلة للتجديد، بعد موافقة الجهات المعنية والمختصة، ويصدر الترخيص بعد سداد الرسوم المقررة، على أن يتضمن بيان الترخيص الالتزام بالشروط والضوابط اللازمة لزراعة الساحات الملاصقة للقسيمة، وفقا لهذه اللائحة.

وبينت اللائحة الحد الأقصى المسموح به لزراعة الساحات هو 10 بالمئة من مساحة القسيمة، وبعمق لا يزيد على 25م كمسطحات خضراء من سور القسيمة، وعدم السماح بترخيص زراعة ساحات الأرصفة بعرض 4 م وأقل، وهي المسافة بين سور القسيمة وحجر الرصيف، ولا يسمح بترخيص زراعة جهة ضلع القسيمة المطلة على الممرات التي يقل عرضها عن 15 م، ولا يعتبر هذا الضلع واجهة للقسيمة، كما سمحت بزراعة الأرصفة التي تزيد على 4 م، والممرات التي تزيد على 15م، وفقا للارتدادات، بحيث يتم ترك ارتداد مسافة 2م من حجر الرصيف، وذلك في الشوارع الداخلية التخديمية، والتي تمر بها الخدمات، وعند المنحنيات يترك ارتداد مسافة 3م من المنحنى، أو ترك ارتداد مسافة 3م من حجر الرصيف، وذلك في الشوارع التجميعية الداخلية، والشارع التجميعي هو الذي يجمع بين الشوارع التخديمية، وأيضا الشوارع التي تفصل بين القطع بنفس المنطقة، وعند المنحنيات يترك ارتداد 4.5 م من المنحنى، أو ترك ارتداد مسافة 5م من حجر الرصيف، وذلك في الساحات والأرصفة بالشوارع التجميعية الرئيسية التي تفصل المناطق، وعند المنحنيات يترك مسافة 7.5م من المنحنى، أو حتى ترك ارتداد مسافة 5م عن الشبك المعدني، وذلك في الساحات المطلة على الشوارع الدائرية من الدائري الأول حتى «الرابع»، وعند المنحنيات يترك ارتداد مسافة 7.5 من المنحنى، وترك ارتداد مسافة 7.5م عن الشبك المعدني، وذلك في الساحات والأرصفة المطلة على الخطوط السريعة والشوارع الدائرية من الدائري الخامس فما فوق، وعند المنحنيات يترك ارتداد مسافة 10.5م من المنحنى.

البلدية معنية بتسريع إصدار لائحة زراعة المناطق المملوكة للدولة في السكن الخاص

وعن القسائم المطلة على الساحات المشتركة بطول ضلع أقل من 12 مترا، فلا تسمح اللائحة بإصدار ترخيص زراعة جهة الضلع الأقل من 12م في الساحات المشتركة، ولكن بوضع الاعتبار عمل ممرات نافذة للقسيمة ذات الضلع الأقل من 12م وبنفس عرض الضلع المطل على الساحة المشتركة لاعتبار ترميم أو استصلاح الأسوار.

وفي المجمل، تُعتبر الزراعة التجميلية أداة قوية لتحسين المظهر الجمالي للمناطق العامة وتعزيز الوعي البيئي، من خلال اختيار النباتات المناسبة وتطبيق تصميمات حديثة، ويمكن للمزارعين والمخططين خلق بيئات أكثر جمالًا وراحة للمواطنين، لكن السؤال المطروح هو: هل من الممكن أن تعوّض المبادرات المجتمعية غياب دور هيئة حكومية مكلّفة بتحسين جودة العيش في السكن الخاص، بعد إعطائها الغطاء القانوني واللائحي لاستغلال المساحات الفارغة بالمناطق السكنية؟!

تحسين جودة الهواء

تبدو أهمية الزراعة التجميلية في تحسين المظهر الجمالي، حيث تُضفي لمسة جمالية على المناطق العامة، مما يجعلها أكثر جاذبية وراحة للمواطنين، وتكمن الأهمية الكبرى في قدرتها على تحسين جودة الهواء، حيث تساعد النباتات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتوفير الأكسجين، مما يسهم في تغير جودة الهواء إلى الأفضل.

تجميل للبيئة وتعزيز للسياحة

توفر الأشجار والغطاء النباتي الظل الذي يساعد في خفض درجات الحرارة بالمناطق الحضرية، كما أن زيادة المناظر الزراعية ترفع الوعي البيئي، وتدفع لتحسين الزراعة التجميلية بالبيئة والحفاظ عليها، كما أنها قادرة على تعزيز السياحة، حيث تُعتبر المناطق المزيّنة بمناظر طبيعية بديعة من عوامل الجذب السياحي.

أمثلة على الزراعة التجميلية

تنسيق حدائق، وزراعة الأشجار والنباتات المزينة في الحدائق العامة والساحات والشوارع، وإنشاء مناطق خضراء، مثل الحدائق الرأسية والمساحات الخضراء في سقف المباني، وزراعة النباتات المقاومة للملوحة في المناطق الساحلية، وتنسيق الطرق وزراعة النباتات على حوافّها لإضفاء لمسة جمالية.

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.