الزايد لـ «الجريدة•»: الفساد قضية أكبر من «نزاهة»
تؤدي الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) دوراً محورياً كبيراً في الكشف عن جرائم الفساد والعمل على ردعها، من خلال اتجاهها لتطبيق كل الجوانب القانونية الكفيلة بالتعامل مع الجرائم والمتسببين بها، وإحالتهم إلى الجهات المختصة في البلاد، وتكرس الهيئة، في الوقت نفسه، جهودها لتوفير الحماية الكاملة للمبلّغين عن جرائم الفساد من الضرر الذي قد يقع ضدهم من أفراد أو جهات عملهم، بسبب إبلاغهم عن جرائم الفساد. وفي حواره مع «»، كشف مراقب البلاغات والتحقيق للوزارات والإدارات الحكومية في «نزاهة»، يوسف الزايد، أن أبرز البلاغات التي يتقدم بها الأفراد أو الجهات الحكومية تتعلق بجرائم الاختلاسات والرشوة وجرائم الأموال العامة، ونصيب الأسد منها بلاغات تكون لها علاقة بالإضرار العمدي أو غير العمدي بالأموال العامة، ومتصلة بعقود الدولة وما يتصل بها من مخالفات. وقال الزايد إن عدد الشكاوى الواردة إلى «نزاهة» خلال 2024، بلغ 93 شكوى حتى تاريخه، وتمت الإجابة عن 461 استفساراً للمبلّغين الذين حضروا شخصياً لمكتب استقبال البلاغات في الهيئة. وأضاف: «نتلقى العديد من البلاغات الخاصة بجرائم الفساد من الأفراد أو الموظفين في جهات الدولة سنوياً، وهناك تفاعل كبير على مستوى الأفراد للإبلاغ عن حالات الفساد وقدومهم إلى «نزاهة»، لافتاً إلى أن الفساد كقضية أكبر من الهيئة. وفيما يلي نص الحوار:
• ماذا عن جرائم الفساد والجهود الحكومية المتمثلة في الهيئة العامة لمكافحة الفساد لمتابعتها وإحالتها الى الجهات المعنية؟
تختص الهيئة بعدد كبير من الجرائم التي يُطلق عليها جرائم الفساد، وفقاً لقانون «نزاهة»، وأبرز هذه الجرائم المتصلة بالوظيفة العامة والمنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والجرائم التي لها علاقة بالاختلاسات والرشوة وجرائم الأموال العامة، وغيرها من الجرائم التي يمكن أن يطلق عليها جرائم وفقاً للقانون، وخلال برامج التدريب التي تعقدها «نزاهة»، نحاول أن نوصل المعلومة لموظفي الدولة لتعريفهم بهذه الجرائم ونوعيتها، وتوعية الموظفين بكيفية الإبلاغ عنها ومكافحتها والتمييز بينها وبين المخالفات المالية والإدارية التي لا ترقى إلى أن تكون جرائم فساد تختص بها الهيئة، ونشجع الناس وموظفي الدولة على الإبلاغ عن أي شكل من أشكال الخلل الذي يصل به الحد الى الخلل الجنائي، في إطار جرائم الفساد، أن يتقدموا للإبلاغ عن ذلك للهيئة، بشخصهم أو يهيئون الجو للجهة التي يعملون بها للإبلاغ عن شبهات جرائم الفساد، وتعد في هذه الحالة بلاغات من جهات على خلاف البلاغات التي تقدم من جانب الأفراد.
الهيئة توفر الحماية الإدارية للمبلغ من جهة العمل التي يعمل بها بحيث لا توقّع عليه أي جزاءات تأديب
• ما طبيعة الجرائم التي ترد الى «نزاهة» من قبل الأفراد أو الجهات الحكومية؟
أغلب البلاغات التي تأتينا عن جرائم الفساد تكون لها علاقة بالإضرار العمدي أو غير العمدي بالأموال العامة، وفي الغالب تكون البلاغات متصلة بعقود الدولة، وما يتصل بها من مخالفات، ودائما ما تأتينا البلاغات حول هذا المحور، فضلاً عن المواضيع الخاصة بالتزوير والاستيلاء على الأموال العامة، لأنّ هذه الأعمال متصلة تماماً بالجهاز الحكومي والأموال العامة، وتقوم «نزاهة» ببحثها والتأكد من صحتها من خلال قطاعاتها المختصة.
• ماذا عن وعي الناس بشأن جرائم الفساد؟
وعي الناس أفراداً وموظفين بجرائم الفساد يزيد يوماً بعد يوم، ومن خلال برامج التدريب التي تنظمها «نزاهة»، وتواصل الهيئة مع الدور التوعوي خلال وسائل الإعلام والتواصل، نلمس أن نسبة صحة ودقة البلاغات المقدمة تزداد باستمرار، وهذا أمر لمسناه من خلال استقبال البلاغات الخاصة بالفساد بشكل يومي من الأفراد، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو من الجهات الحكومية.
نوفر الحماية الشخصية للمبلّغ من أي ضرر يقع عليه من الناس الذين قد يتسببون في إلحاق الضرر به
• كم تبلغ نسبة الجرائم التي ترد الى «نزاهة» الخاصة بجرائم الفساد؟
نتلقى مئات البلاغات الخاصة بجرائم الفساد من قبل الأفراد أو الموظفين في جهات الدولة، وهناك تفاعل كبير على مستوى الأفراد للإبلاغ عن حالات الفساد، وقدومهم الى «نزاهة»، فضلاً عن الجهات الحكومية التي تتقدم ببلاغاتها بشكل مستمر، وبلغ عدد الشكاوى الواردة خلال عام 2024 حوالي 93 شكوى حتى تاريخه، وتمت الإجابة عن 461 استفساراً للمبلّغين الذين حضروا شخصياً لمكتب استقبال البلاغات في الهيئة العامة لمكافحة الفساد.
نضمن للمبلّغ الحماية القانونية بألا يتم الرجوع عليه مدنياً أو جزائياً بسبب بلاغه عن جرائم الفساد
• ماذا عن جهود الهيئة فيما يتعلق بحماية المبلّغين؟
بعدما يتقدم المبلّغ بالبلاغ الخاص بجرائم الفساد، نحن حريصون على أن نوفر له الحماية المطلوبة، حيث لا تقع عليه أي أضرار بسبب توجهه لـ «نزاهة» للإبلاغ عن جرائم الفساد، لهذا السبب الحماية المقررة في قانون «نزاهة» هي حماية شاملة، شخصية وإدارية وقانونية بحسب الاقتضاء والحاجة، فالحماية الشخصية هي حماية بدن المبلغ وشخصه من أي ضرر قد يقع عليه، والحماية الإدارية، وهي من جهة العمل التي يعمل بها إذا كانت عامة، بأنها لا توقّع عليه أي جزاءات تأديب إذا كانت هذه الإجراءات بمناسبة كشفه عن الفساد وتقديمه بلاغاً لدى «نزاهة»، وأخيراً الحماية القانونية بألا يتم الرجوع على المبلّغ مدنياً أو جزائياً، بسبب بلاغه عن جرائم الفساد وتقدمه لذلك إلى القطاعات المعنية في «نزاهة».
• تتعاملون في «نزاهة» بشكل جاد لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية بمكافحة الفساد، بهدف المحافظة على المال العام والمصلحة العامة للبلاد؟
تعتبر الهيئة الرئيس والمنسق العام للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، والتي يمثّلها عدد كبير من الجهات الحكومية، واختصاصات الهيئة الخاصة بمكافحة الفساد كبيرة، لكن الفساد كقضية أكبر من الهيئة نفسها، لهذا السبب وضعت استراتيجية وطنية لتكون بمنزلة مظلة تدخل في عضويتها جميع الجهات الحكومية، فضلاً عن دور «نزاهة» في التعاون مع الجهات الدولية فيما يخص مكافحة الفساد، سواء كان الموضوع في الأمم المتحدة أو منظمة العمل المالي، أو أي منظمة أخرى تختص بمكافحة الفساد.
«نزاهة» تلقت 93 شكوى في 2024 وأجابت عن 461 استفساراً للمبلّغين عن جرائم الفساد
• متى تُحال شبهة جرائم الفساد الى النيابة؟
تُحال شبهة جرائم الفساد إلى النيابة بعد التحقق من جديتها والمستندات المتصلة بها، وتعتبر شبهة الفساد جدية في حال وجود مستندات دالّة على الواقعة، فلو قدّم المبلّغ أحد المستندات الدالة على الجريمة، فمن الممكن أن تمارس الهيئة دورها وعملها في التحري، وتكمل بقية المستندات من تلقاء نفسها، لكنّ خلو البلاغ من المستندات يجعله مجرد أقوال مرسلة، ويصعّب عمل الهيئة تجاه تقرير مدى جدية هذا المبلّغ للبلاغ الذي تقدم به، ووفقاً للقانون والمادتين 37 و38 من اللائحة التنفيذية لقانون الهيئة، لا بُد أن يكون البلاغ عن شبهات الفساد مكتوباً ومذيّلاً بتوقيع المبلّغ، ومشفوعاً بالمستندات الدالة على الجريمة والواقعة، فإذا لم يكن هناك مستند يدل على الواقعة يعتبر البلاغ غير جدّي بشكل عام، فعلى المبلّغ إما أن يقدم المستند أو يرشد الهيئة بدلالات واضحة على مكان وجود المستند الدال على الجريمة.
كما أن المبلّغ لا بُد أن تكون لديه معرفة خاصة بجريمة البلاغ، فلا يجوز أن يكتفي بكون موضوع البلاغ منشوراً على وسائل التواصل أو الإعلام أو تقارير الجهات الرقابية في الدولة، إذ تقوم الهيئة العامة لمكافحة الفساد برصد هذه الوقائع من تلقاء نفسها من خلال الوحدة التنظيمية المسؤولة عن رصد جرائم الفساد.
الهيئة بين كشف الفساد والوقاية
قال الزايد، إن «نزاهة» تطير بجناحين من خلال قطاع الوقاية في جانب، وقطاع كشف الفساد والتحقيق في الجانب الآخر، فقطاع الوقاية هو المختص بتوعية المجتمع وموظفي الدولة، ومما يخص مكافحة الفساد في جوانبها الأخرى، سواء كان فساداً جنائياً أو إدارياً، أو ما يتعلق بقلة الإنتاجية وتعزيز الحوكمة والنزاهة والشفافية، أما الجانب الجنائي الذي أعمل به، فيتحدث عن الجريمة بعد وقوعها وكيفية الإبلاغ عنها، وهو الجانب الخاص بالردع بعد وقوع الجريمة، والفساد قضية، والقضايا لا بُد من تناولها بكل جوانبها، إذ نبدأ بالجانب التوعوي، ثم الردع، وهو الجانب الأخير، ومثلما يقال «آخر العلاج الكيّ»، فالردع يجب أن يكون على الاستثناء وليس الأصل في وقوع الجرائم، وبطبيعة الحال، ما دام يوجد هناك جهاز إداري وأعمال، يصيبه خلل إداري، ومن الوارد أن تكون هناك جرائم الفساد يتم الإبلاغ عنها.
ردع الفاسدين
طالب الزايد الجميع بالاطلاع على دور «نزاهة» ومعرفة جرائم الفساد وما يختص بها، فكل مواطن يجب أن يكون عنده استيعاب وثقة بدور الدولة لمكافحة الفساد على المستوى الشخصي، وهذا الأمر سينعكس على المستوى المجتمعي، كذلك أتمنى أن يتم استيعاب المفاهيم الخاصة بـ «نزاهة» من أفراد المجتمع، وفي حال وجود الخلل لا بُد للشخص الإبلاغ عنه لدى جهات الاختصاص، سواء الهيئة العامة لمكافحة الفساد أو الجهات الأخرى إذا كانت الهيئة ليس لها دور أو اختصاص بهذا الموضوع، على سبيل المثال، إذا كان الشخص المبلّغ ضده ليس من الفئات التي تقدم إقرار الذمة المالية، وهي الفئات الخاضعة لقانون الهيئة، فالسكوت عن هذه الأخطاء أو المثالب يعزّزها، ولا بُد من وجود دور رادع ضد الجريمة من جرائم الفساد بعد وقوعها، وأن أي شخص يشهد مثل هذه الجرائم، لا بُد أن يبلّغ جهات الاختصاص عنها.
المصدر: جريدة الجريدة