الجمعية الاقتصادية: برنامج عمل الحكومة خطوة للأمام وشامل للأولويات النيابية والشعبية
الوضع المالي الأساسي أفضل في ظل ارتباط نحو نصف زيادة النفقات ببنود استثنائية غير متكررة
كان الأجدى أن يعيد البرنامج صياغة رؤية الكويت 2035 لتتواكب مع المتغيرات والمستجدات
مقلق الالتفات عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي حلّ بها عملية إبادة جماعية بمباركة حكومية سابقة
بنود الضريبة والدَّين العام ورفع الدعم حضرت على استحياء وتلونت بين السطور بجمل مطاطية
الإصلاحات السياسية غائبة عن برنامج عمل الحكومة وحاضرة في ذهن مجلس الوزراء
زمن الفوائض المالية عاد بعد 10 سنوات عجاف سجلت فيها عجوزات واستبيح فيها المال العام
رأت الجمعية الاقتصادية الكويتية أنه رغم تحسن الوضع المالي للدولة بمؤشرات جيدة ولكنها بطيئة، إلا أن نقاط الضعف الهيكلية لا تزال قائمة، بما في ذلك التنويع المحدود للإيرادات والميزانية التي تسيطر عليها بشكل كبير الأجور والإعانات (80 في المئة من إجمالي النفقات)، ويعني هذا أنه عندما ينطلق برنامج التنويع الاقتصادي الذي يعتمد بكثافة على الإنفاق الرأسمالي الحكومي، فإن الإنفاق العام سيشهد مزيداً من الارتفاع.
وأضافت في بيان أنه «في هذه السنة المالية عادت الميزانية العامة إلى زمن الفوائض المالية بعد تقريباً 10 سنوات عجاف سجلت فيها عجوزات واستبيح فيها المال العام وسجلت تلك الفترة أرقاماً قياسية في تجاوزات الأموال العامة، واحتلت الكويت على إثره المرتبة رقم 57 بين 191 دولة في تقرير جدول الرابطة الاقتصادية العالمية 2023 الصادر عن مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال «سيبر» البريطاني، لكنه توقع أن تنتقل الكويت بين عامي 2022 و2037 من المركز الـ57 إلى المركز الـ63 في الجدول، أي بانخفاض 6 مراكز في الترتيب ونعزي هذا التراجع للهدر الصارخ في الميزانية الذي يجب أن يعالج وأشارت له الجمعية في بياناتها السابقة وكذلك للحرق الممنهج لأي فائض مالي خلال آخر 10 سنوات».
ورأت الجمعية أن الوضع المالي الأساسي أفضل في ظل ارتباط نحو نصف زيادة النفقات ببنود استثنائية غير متكررة (مبالغ متأخرة لسداد فواتير الكهرباء، ودعوم الوقود وبدل إجازات الموظفين) وارتفاع أسعار النفط مقارنة بتوقعات الميزانية”.
خطوة للأمام
وعن برنامج الحكومة، برنامج عمل الحكومة، لفتت الجمعية إلى أنها آثرت ألّا يكون لها رأي مباشر في البرنامج إلا بعد فترة وجيزة من دور الانعقاد الحالي للنظر في سلوك النواب تجاه تعاطي الحكومة للقوانين المهمة وكذلك أولوية الحكومة من برنامج عملها”.
وأضافت «رأينا سابقاً في الجمعية الاقتصادية بأن برنامج عمل الحكومة السابق للسنوات من 20222026 لم يكن إلا تكملة للمسيرة السابقة في التذبذب الحكومي، إلا أن برنامج عمل الحكومة الجديدة هو خطوة للأمام مقارنة بالسنوات الماضية وشامل للأولويات النيابية والشعبية ويعكس حلولاً زمنية للقضايا التي تهم الشارع الكويتي، وقد وجدنا أهدافاً استثمارية وإن كانت غير محددة تفاصيلها والمدد الزمنية للتنفيذ والكلفة ومردودها على الدولة مالياً وعلى المجتمع وفئاته، إلا أنها أفكار خارج صندوق التذبذب الحكومي السابق».
لا أولويات واضحة
وبيّنت «ما شعرنا به هو أن الحكومة لم تدرج أولوياتها بشكل واضح في برنامج عمل الحكومة وكأنها تركت قائمة البرامج في يد النواب وهذا المخيف. مجموعة كبيرة من النواب لا يعي خطورة رسم مستقبل البلد إذا وضع استحقاق حقيقي أمامه وفي الكفة الأخرى استحقاق شخصي لفئة أو أفراد. والواضح بأن هناك حالة من اللامبالاة تسيطر على المشهد الاقتصادي وتدخله في دهاليز السياسة وهذا ما نشهده من سلوك أغلب النواب، لذلك ليس غريباً أن يصب الرأي العام غضبه على الحكومة ونواب المجلس من جراء التأخر وعدم الاكتراث في تطبيق تغييرات هيكلية اقتصادية».
وأشارت الجمعية إلى أن برنامج عمل الحكومة الأخير قلّت عليه الصفة السياسية وهذا أمر محمود بعكس ما يراه النواب لأن برنامج عمل الفصل التشريعي 16 لسنة 20212022 كان يحمل طابعاً هلامياً لا يخلو من الكلام الموزون من غير رؤية واضحة في تحقيق أهدافها وغلب عليها الصبغة السياسية، وهذا يعكس التخوف السابق للجمعية من خلو رؤية إصلاحية واضحة وعدم وجود الإرادة الصادقة في حل المشكلات، وهذا ما استحسنا رؤيته في البرنامج الأخير”.
تغيير النهج الاقتصادي
ونوهت الجمعية إلى أنه و«استمراراً للكلام الإنشائي الذي يصدر من مجلس الوزراء، وهو أمر لا بد منه في العقلية الحكومية المتجذرة، لذلك كان الأجدى أن يكون البرنامج يفترض أن يعيد في البداية صياغة رؤية الكويت 2035، لتتواكب مع متغيرات ومستجدات طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية».
وتابعت أن «المقلق بالنسبة لنا هو التفات الحكومة عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي حل بها عملية إبادة جماعية بمباركة حكومية سابقة. لذا لن يتغيّر الواقع المؤلم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ما لم يتغير النهج الاقتصادي المتبع في الدولة ولن تخرج المشاريع من القطاع الاستهلاكي إلى القيمة المضافة ما لم يتم توفير البيئة المناسبة لذلك فالتحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة ليست حكراً عليه بل هي تحديات القطاع الخاص بأكمله».
وأوضحت الجمعية أن «رغم أن بنود الضريبة والدَّين العام ورفع الدعم عن بعض الخدمات وتقليلها أتت بشكل رئيسي في كل برنامج عمل للحكومة على عكس البرنامج السابق، حيث حضرت على استحياء وتلونت بين السطور بجمل مطاطية على وزن مراجعة الخدمات العامة وتحسين قدرات إدارة الضرائب وكذلك العمل على تنفيذ استراتيجية التخصيص حتى تكون اعتباراتها السياسية أقل كلفة على أعضاء مجلس الأمة، إلا أننا مازلنا متمسكين ومؤمنين وقانعين بأن أي إصلاح يبدأ بمس جيب المواطن هو إصلاح ساقط شعبياً قبل أن يسقط سياسياً، وإيماننا راسخ على أن سلم الإصلاح الاقتصادي يبدأ بتهذيب السلوك الحكومي بالهدر الصارخ في الميزانية والمصروفات غير الحصيفة من أمثال الرواتب الاستثنائية وبيع الإجازات وغيرها».
مشاريع مهمة
وأضاف «مما استحسناه في برنامج العمل هو ذكر مشاريع مهمة عكفت الجمعية سابقاً على ذكرها مراراً وتكراراً ونجدها دخلت ضمن برنامج العمل مثل (هيئة العقار، ملف أملاك الدولة، صندوق سيادة وغيرها)، ولكننا كنا نأمل أن تكون هذه الملفات الحساسة ضمن برنامج زمني ورأي فني واقعي واضح حتى لا يكون مجال للتأويل كمشروع المدينة الترفيهية الذي ركز واسترسل في جميع الجوانب المهمة المعنية في المشروع فنياً وزمنياً وغيرها».
وتابعت الجمعية «وما وجدناه من الأمور الأساسية في وجودها في كل برنامج وعمل ومهملة لعدم جدية العمل بها هي نقطة تنويع مصادر الدخل الذي كنا نعتقد أن يكون هو جوهر برنامج العمل لإيماننا الراسخ أن بداية العمل الإصلاحي الاقتصادي ينطلق من محطة تنويع مصادر الدخل».
القضاء على الفساد
ولاحظت الجمعية أن «تحت جزئية القضاء على الفساد لم يتم تحديد ما الآلية المتبعة ومتى يجد رموز الفساد عقابهم، وهذا ما أوصل الكويت إلى أن يتصدر اسمها صحف عالمية بفضائح وجرائم مالية دولية تنعكس سلباً على مركزها المالي وعلى سمعتها أدت إلى إعلان بعض مؤسسات التصنيف الائتمانية مراجعة تصنيفاتها لبعض المؤسسات المصرفية والمالية في المنطقة لارتباطها بالمال الأسود، وهذه نقطة مهمة جداً لنا في الجمعية الاقتصادية نحذر ونشدد ونكرر عليها في بياناتنا ومنشوراتنا».
واختتمت الجمعية بيانها بأنه «لا يخفى على أحد أهمية الإصلاحات السياسية الغائبة عن برنامج عمل الحكومة والحاضرة في ذهن مجلس الوزراء، إن تطور العمل الديموقراطي يكون بتغيير المناخ السياسي وخلق أرضية خصبة للتهاون في جو ديمقراطي جامد لم يتغير إلا لمزيد من تضييق الحريات وخصوصاً ما عكف عليه مجلس الأمة في 10 سنوات ماضية».
وأكدت الجمعية «إيماننا الراسخ بأن بوابة الإصلاح هو الإصلاح المؤسسي وأهمها وأحد أركانها هي التطور السياسي بتشريعات تطور عملية القرار السياسي بعيداً عن المحاصصة والجو السلبي الذي عشناه طويلاً».
وبيّنت الجمعية أن «إنجازاً صغيراً على الجبهة الاقتصادية هو خير ألف مرة من كلام سياسي كبير لا يطعم ولا يغني من جوع».
المصدر: الراي