«الاستئناف»: «التمييز» لم تحسم خلاف «إشهار الحصر الإرثي» بدعاوى البيوع
في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة الاستئناف المدنية، برئاسة المستشار نايف المطيرات، جواز رفع الدعاوى القضائية الخاصة بفرز وتجنيب الحصص الإرثية والعقارات والبيوع، من دون الحاجة إلى إشهار الحصر الإرثي للتركة.
وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إنها ترجّح الرأي القائل بعدم اشتراط تسجيل الحق الإرثي بإدارة التسجيل العقاري في دعوى البيوع، وآية ذلك أن اشتراط التسجيل لقبول الدعوى هو استحداث شرط لم يأت به المشرّع.
وأضافت «الاستئناف» أن مهمة القاضي تمارس في مسائل الواقع على قدم المساواة مع القانون، وعليه إنهاء الخصومة لا جعلها معلّقة بإجراءات شكلية، والنزاع في الدعوى الماثلة هو في إنهاء حالة الشيوع بين أطرافها لا جعلها معلّقة على إجراءات شكلية لا مصلحة فيها سوى إطالة النزاع، كما أن محكمة التمييز لم تحسم النزاع في اشتراط تسجيل حق الإرث بإدارة التسجيل العقاري، فنجد أن هناك تضاربا في أحكام ومبادئ محكمة التمييز بهذا الخصوص، كما نجد دوائر لا تشترط تسجيل حق الإرث بإدارة التسجيل العقاري، ودوائر أخرى تشترط، وهذا التضارب في الأحكام أضر بمصالح العباد، وكان الأجدر حسمه بإحالة المسألة الى هيئة توحيد المبادئ المقررة وفقا للقانون أمام محكمة التمييز.
ولفتت المحكمة إلى أن «التمييز» لم تحسم النزاع بأي من الرأيين، وهذه المحكمة ترجح الرأي القائل بعدم اشتراط تسجيل الحق الإرث بإدارة التسجيل العقاري في دعوى البيوع، وآية ذلك أن اشتراط التسجيل القبول الدعوى هو استحداث شرط لم يأت به المشرّع وفقا لما سبق بيانه، بل هو حيث تنصّ المادة 830 من القانون المدني على أنه «لكل شريك أن يطلب قسمة المال الشائع ما لم يكن مُجبراً على البقاء في الشيوع بمقتضى القانون أو التصرف».
وهذا النص واضح الدلالة أنه متى ثبت لرافع الدعوى صفة الشريك وكان المال شائعاً، ولم يكن هناك ثمّة إجبار على بقاء حالة الشيوع، فقد وجب تطبيق النص، وصار من حق هذا الشريك أن يطلب إزالة حالة الشيوع.
وقالت المحكمة إن اشتراط الحكم المستأنف تسجيل حق الإرث كإجراء أوّلي يترتب عليه عدم قبول الدعوى إذا لم يتم استيفاؤه هو استحداث لحكم لم ينصّ عليه المشرع، من شأنه أن يوصم الحكم المستأنف بعيب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، ولأنه الأصل في الحقوق العينية العقارية لا تكتسب ولا تنتقل إلا بالتسجيل في السجل العقاري، إلا أنه باستثناء حالات اكتساب العقار بالإرث أو بنزع الملكية أو بحُكم قضائي التي يعتبر فيها صاحب الشأن مالكا من قبل التسجيل.
ولما كان ذلك، وكان المقرر قانوناً وشرعاً أن أيلولة ملكية العقارات إلى الوارث لا تحتاج إلى تصرّف من التصرفات القانونية، وإنما هي تترتب على مجرد واقعة وفاة المورّث.
وبينت المحكمة أنه لم يكن هناك وجه لجعل انتقال الحق إلى الوارث متوقفا على تسجيله، وهو بهذا المعنى لا يكون شرطا لرفع الدعوى طلبا في قسمة أو فرز العقار بين الورثة، إذ إن الدعوى بين الشركاء بطلب الفرز والتجنيب ليست تصرّفا من التصرفات، حيث إن صفة الورثة كملّاك ثابتة فور تقديم شهادة وفاة المورث وحصر الورث والقسام الشرعي، وكل تلك الشهادات منبعها إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، فضلا عن أن الأحكام الصادرة بخصوص العقار مآلها للتسجيل العقاري، ومن ثم فإن القول بشرط قبول الدعوى أن تسجل ملكية الورثة بالتسجيل العقاري هو بدعة، وليس له مسوغ قانوني، ومخالفة للعقل والمنطق، بل يُعد مخالفة صريحة لقانون المرافعات.
وقالت المحكمة إن المطلوب لرفع الدعاوى الصفة والمصلحة، والصفة بالنسبة للورثة ثابتة بتقديم شهادة الوفاة والحصر والقسام الشرعي، وشرط المصلحة هناك هو المصلحة الخاصة، ولا يمكن القول إن شرط التسجيل من النظام العام، بل إن التسجيل يُعد من القانون الخاص هدفه المصالح الخاصة للأفراد، ومن ثم تكون قواعده مكملة تخضع لإرادة الأفراد، الذين يمكنهم الاتفاق على خلاف حكمها، والقانون المدني هو قانون خاص، وهو مجموعة من القواعد القانونية التي تتعلق بحياة الفرد باعتباره عضوا في أسرة، والتسجيل قاعدة شكلية وليست موضوعية، وقاعدة مكملة وليست أمراً ملزماً بذاتها، وخاصة بين الشركاء.
ومن ثم فإن القول بغير ذلك تزيُّد وافتراء على نصوص قانون المرافعات، لا مصلحة فيه سوى إطالة الخصومة وإثارة اللدد بين الورثة، وهذا ليس عمل القضاء، بل إنه باشتراطها حق التسجيل وقضائها برفضها أو عدم قبوله لرفعها قبل الميعاد هو امتناع عن إحقاق الحق، فالفصل في الدعوى فرض على القاضي؛ إحقاقا للحق، ورفع الظلم هو واجب على القاضي بشكل فوري، ويجب عليه أن يفصل في جميع الطلبات من دون أن يتجاوز حدودها، ويجوز له مع ذلك أن يحكم في مسائل لم يطلب الخصوم منه الحكم فيها إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، فله على سبيل المثال أن يصرّح للخصوم بتسجيل الحق وإلزامهم بتقديمه للمحكمة لاستكمال ملف الدعوى، إذ كان يرى ضرورة التسجيل، ولا يعتبر ذلك انحيازا لخصم دون آخر، فربط الشكل بالغاية منه يجعل الشكلية مستساغة بالقدر الذي يحقق هذه الغاية، ويصبح في ظلها التمسك بالبطلان ضربا من الإغراق في الشكل غير مستساغ، الأمر الذي يتطلب ضرورة منح المحكمة بالإضافة إلى طرفي الدعوى صلاحية طلب استيفاء المستندات التي تجد ضرورة لتقديمها، ولا يعد ذلك تدخّلا من قبلها في الدعوى وبين أطرافها متى كان الفصل ملزما، ومتى كان ذلك ممكنا وضروريا للوصول الى حكم عادل وعاجل فيها، ولإنهاء النزاع للمصلحة العامة، إذ ليس من القانون والشرع والعقل والمنطق أن تعلّق المنازعات بين الورثة، وخير مثال الدعوى الماثلة التي انتقل فيها مورّثهم من 1995، واستمر نزاعهم ودخل المحكمة سنة 2017 وتم تداول بين أكثر من 12 قاضيا بما فيهم هذه الدائرة، وهذا بحقيقته إغراق في الشكليات وإطالة لا جدوى منها.
المصدر: جريدة الجريدة