أزمة الفيلبين… بين التعاقدية والتراحمية
في معرض وصاياه لأبنه، قال رجل طاعن في السن «يا ولدي إياك أن تسيء معاملة الخادم فلان بعد مماتي، وعليك أن تحفظ كرامته، وتقضي حاجته، وتصفح عنه إذا أساء، فالحاجة لا يعرفها إلا من جربها والحياة مليئة بالصعاب». الابن: «ولكن لماذا هذا الخادم بالتحديد يا أبي». الأب: «لأن جدك يا ولدي كان يشتغل حمّالاً عند جد هذا الخادم فلم يسئ معاملته يوماً».
ملخص هذه القصة تعكس واقعاً لا نستطيع إنكاره فلطالما كان الكويتيون وبالتحديد قبل الثورة النفطية يعملون عمالاً وخدماً عند التجار الهنود، ولطالما هاجروا بحثاً عن فرص العمل طلباً للعيش الكريم، ولكن هذه سنّة الحياة وتلك الأيام في تداول، فبعد الاستغناء بالذهب الأسود انعكست الآية في سنوات قليلة وصار الهنود يخدمون لدى الكويتيين حتى صار ابن الخادم مخدوم من ابن من كان مخدوماً، وهذا قد يكون أحد الأسباب التي تجعل العلاقة بين الخادم والمخدوم في الكويت تراحمية، بعيدة كل البعد عن عقود العمل التي تكون مجحفة للعمال أحياناً.
وبين التعاقدية والتراحمية مساحة صغيرة لطالما أُثيرت فيها الكثير من الخلافات والمشاكل بين دولة الكويت ودول جنسيات العمالة المنزلية لدى العائلات الكويتية مثل، إندونيسيا، وإثيوبيا، والفيلبين بين الحين والآخر، ورغم أن أجور العمالة المنزلية في الكويت والخليج ليست عالية ولا شديدة الاغراء، إلا أنها من أكثر الدول رغبة لدى العمالة بمختلف الجنسيات، حتى لو وصلت درجة التفضيل مع أوروبا أحياناً بسبب صرامة العقود وصعوبة العيش فيها، ولا يوجد إلا تفسير منطقي واحد لهذه الرغبة عنوانه حسن المعاملة، وغالباً أكثر من ذلك بكثير.
اليوم، مرة أخرى تطفو على السطح أزمة جديدة وتتعقد بين حكومة الكويت وحكومة مانيلا دفعت وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرار حازم بوقف إصدار تأشيرات عمل الجالية الفيلبينية وذلك لوقف سياسة التحكم ورفع سقف الطلبات في عقود العمل التي تمارسها حكومة مانيلا والمرفوضة من الكويت، ولا أشك أن هناك حالات شاذة في كل مجتمع ترتكب أخطاء في حق العمالة إلا أنها تبقى حالات فردية، ولا يمكن تعميمها على المجتمع، لأن مبررات الأزمات دائماً ما تتحدث عن حالات فردية ولكنها تستغل للابتزاز المرفوض.
قرار وزير الداخلية الشيخ طلال الخالد، بوقف إصدار تأشيرات الفيلبين قرار مستحق بل كان من المفترض أن يتخذ قبل هذا الوقت بكثير، خصوصاً بعد تمادي بعض الجهات بانشاء مراكز إيواء غير مرخصة، علماً بأن هذه الظاهرة شجعت الكثر من العمالة المنزلية غير المسؤولة على التمرد والتحكم في العلاقة مع الكفلاء، ورغم أن العمالة المنزلية تعيش بيننا كأفراد العائلة، إلا أن مشاكلها المتكررة لن تنتهي إلا بوقفة جادة من حكومة قوية وحازمة لا تقبل الابتزاز.
المصدر: الراي