يرصد الكويتيون اليوم مشهدين للحكومة:

نشاط غير مسبوق يقوده رئيسها الشيخ أحمد العبدالله الذي حوّل تقريباً كلّ يوم إلى اجتماع حكومي يتناول أموراً تنموية واقتصادية تحضيراً وتنفيذاً لملفات الخُطط المُبرجمة للسنوات العشر المُقبلة.


وأخطاء غير مسبوقة يقوم بها بعض الوزراء تمسّ جزءاً كبيراً من الكويتيين تُناقض مبادئ التخطيط والتوافق الحكومي والمُبادرة والتقرير… وهذه الأخطاء تأخذ من رصيد الحكومة ولا تضيف إليها.

من دون الدخول في تفاصيل القرارات نتحدّث هنا عن أمرين حصلا في الأيام الماضية.

الأول، إصدار وزارة المالية قرار تعديلات لائحة بدل الانتفاع بأملاك الدولة الخاصة العقارية ورسوم الخدمات… ثم تجميد اللائحة بقرار من مجلس الوزراء بعد أيام قليلة فقط كونها لم تنلْ القدر الكافي من الدراسة وأعيدت اللائحة إلى اللجنة القانونية في مجلس الوزراء لإجراء مزيد من الدراسة والبحث.

الثاني، صدور قرار بنقل تبعية الحضانات من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى وزارة التربية في الكويت. وتكليف وزير التربية التنسيق مع الجهات المعنية لتصحيح الأوضاع القانونية. وهذا الأمر، أي تنظيم قطاع الطفولة المُبكّرة وتهيئة الجيل الجديد لدخول دورة الحياة المدرسية والتخرّج مُستقبلاً، في غاية الأهمية ومن الطبيعي أن يكون بإشراف «التربية»… وأيضاً فوجئ الكويتيون بالتراجع عن القرار، واستند مجلس الوزراء في تراجعه على عرض قدّمه وزير التربية يُوضّح اختلاف طبيعة الحضانات عن النهج التربوي المُعتمد.

لسنا هنا في وارد النقاش حول القرارين وصحّتهما أو عدم صحّتهما. نحن أمام خلل كبير في الرؤية والتخطيط واتخاذ القرار. الأمور المُهمّة كهذه التي تطول الكويتيّين في مسكنهم وعملهم وتربية أبنائهم يُفترض بداهة أنها خضعت للدرس والتمحيص وصدرت قراراتها بمُوافقة مجلس الوزراء، لكنّنا نكتشف أن مجلس الوزراء أوقف القرارات لأنها بصبغة منفردة وأعادها كما في موضوع لائحة الرسوم إلى اللجنة الفنية لدراستها. وأيضاً يتغيّر القرار خلال أيام فتنقل تبعيّة الحضانات من وزارة إلى أخرى وتعاد إلى الوزارة الأولى.

هناك توجيهات من رئيس الحكومة لكلّ وزير بأن يعمل وفق خُطة واضحة على تقديم رؤية أفضل لنشاط وزارته مع هامش حرية لم يكن موجوداً في السابق ومع انعدام الضغط النيابي الذي تَحَجّجَ به وزراء كُثر على مدى السنوات الماضية لعدم الإنجاز. وتقتضي هذه التوجيهات بأن لا مكان لترف الوقت، لذلك المطلوب درس كلّ قرار بعناية وبحث آثاره الخاصة والعامة والاستعانة بأكفأ المُستشارين في مجالاتهم ثم تقديمه للبحث والمُناقشة وتعديل ما يجب تعديله وصولاً إلى مُوافقة مجلس الوزراء عليه. لكن ما حصل من تجميد لقرار لائحة الرسوم وتغيير لقرار تبعيّة الحضانات يدلّ على عدم الالتزام الكامل بالتوجيهات وعلى تجاوز مبدأ آلية اتخاذ القرار الصحّ… الوزيران لم يتغيّرا حتى تتغيّر القرارات والمرئيات واحدة ويُفترض في من يتّخذ القرار وهو على رأس وزارته أن يكون سنداً لرئيس الحكومة لا أن يضيف أعباءً جديدة على كاهليه.

الخطأ الذي يحصل لمرة واحدة يُمكن مُعالجته ولو صعب تبريره. الخطأ الذي يحصل مرتين هو جرس إنذار ورسالة سلبيّة، فالأمور الحكومية تختلف عن شغل المُختبرات وقياس التجربة والخطأ لأنّنا نتعامل مع قضايا تتعلّق بِصُلْبِ هُموم الكويتيّين في مجالات مُختلفة.

أعان الله رئيس الوزراء الذي اضطر لأن يفتح وقتاً إضافياً لمُعالجة الأمور، وأعانه الله لأنه مُضطر لإعادة شرح البديهيات بدءاً من كيفية اتخاذ القرار ووصولاً إلى الموافقة الحكومية، مروراً بالتضامن والتنسيق الوزاريين… والأهم شرح الفارق بين استقلالية الوزير ومدّه بصلاحيات واسعة وتفويضه الكثير من الأمور منعاً للبيروقراطية والمركزية وبين مراعاة مصالح الناس.

قد تكون هذه الأخطاء آخر ما تحتاجه الكويت في ظلّ تحدّيات خارجية مُقلقة وداهمة وأخرى داخلية مُستحقّة تتعلّق باللحاق بقطار التنمية. الكويت تعيش اليوم عهد الحزم في مُكافحة الفساد وتطبيق القانون في أكثر من مجال. والأولى بالوزراء السير في نهج الحزم في ما يتعلّق بالقرارات الصائبة… وإن عجزوا فالله لا يكلّف نفساً إلّا وُسْعَها.

المصدر: الراي

شاركها.