آمال الصم وآلامهم على طاولة كافيه والراعي مترجم إشارة يلتقيهم منذ 12 عاما
ما إن وصل رجل ستيني بملابسه الـ «كاجوال» إلى أحد كافيهات الشعب الشهيرة حتى قوبل بحفاوة «صامتة» من مجموعة رواد عبر حركات الأيدي وتعبيرات الوجوه بطريقة لافتة.
جذب المنظر انتباه بقية رواد «الكافيه»، فالقادم فيما يبدو ليس أب أحد منهم نظرا إلى فارق السن غير الكبير بينه وبين بعضهم، كما أن طريقة تعاملهم معا تظهر صداقة وودا قد يفتقدهما جُل وليس كل الآباء مع أبنائهم.
جلس الرجل بين رفاقه وبدأ حوارا «صامتا» مشوبا بهمهمات «محدثيه» غير المفهومة، فتارة يستفسر عن أخبار الشاب الجالس عن يمينه، وأخرى يلتفت إلى الجهة المقابلة لـ «يتفاهم» مع رفيق يتواصل بالفعل مع صديقه الروسي عبر تطبيق ذكي.
لهذا المشهد قصة سبرت وكالة «كونا» أغوارها ليتبين أن ذلك الستيني هو المعلم المتقاعد ومدرب ومترجم لغة الإشارة الكويتية بدر الدوخي، ورفاقه هم مجموعة من الصم ممن كان يدرسهم في مدرسة الأمل التي تقاعد منها منذ سنوات.
درج الدوخي على هذا المنتدى الطوعي منذ نحو 12 عاما يلتقي خلالها أسبوعيا تلامذته من الصم رغم أن منهم من أنهى دراسته في هذا الكافيه أو غيره ليتداولوا العديد من العناوين ومن بينها الجديد على صعيد آمالهم وآلامهم.
شرح الدوخي لـ «كونا» ما يوفره «منتداه» من جلسات ودية أشبه ما تكون بجلسات العصف الذهني لبحث العديد من هموم الصم، ومنها تطورات لغة الإشارة. وبينما هو في وسط حديثه تداخل الشاب الجالس عن يمينه طالبا «الكلمة».
إنه الطالب بالصف العاشر عبدالمحسن الشمري الذي أبدى عرفانا كبيرا للدوخي، لاسيما أنه يتفاعل مع كل قضاياه الدراسية والحياتية، وبالفعل فتح المجال أمامه لتكملة دراسته وتحقيق طموحاته بتبيان فرص التحصيل العلمي المناسب لآماله في أميركا.
كيف لا وعبدالمحسن يأمل دراسة فن الإخراج لرغبته في «نقل الأحداث والمفاهيم وفق ما يراه مجتمع الصم» وهي الرؤية التي «لن تتقيد بالمتعارف عليه بين سائر أفراد المجتمع» فقد «يصور القلب أو السماء أو الطبيعة بهيئة غير تلك التي يدركها عليها سائر أفراد المجتمع».
لم يكد الشاب يفرغ من مداخلته حتى التفت إلى هاتفه الذي كان يومض مؤذنا بورود مكالمة، فما إن أمسك به حتى أعلم الدوخي بأنها والدته التي كانت تنتظره لتقله إلى المنزل، فاستأذن وانصرف.
إن تماس الدوخي مع أفراد هذه الفئة يحفل بالعديد من المواقف المؤثرة ومنها أن أبا طلبه ليحضر جلسة تجمعه مع شاب أصم جاءه خاطبا ابنته حتى يترجم لهم ما يريدون إيصاله إلى الخاطب والعكس.
الغريب أن الدوخي حضر الخطبة ومن بعدها عقد القران، وسار كل شيء على ما يرام وتم الزفاف، إلا أنه فوجئ بعد ما لا يزيد على الشهرين بالوالد يطلبه ليحضر جلسة طلاق العروسين!
كان من بين الجلوس على طاولة الدوخي الشاب جابر الكندري الذي صدمته سيارة حين كان ابن السنتين، فتسببت بتلف عصب السمع.. ولولا هذا الحادث ما كان اليوم بينهم أصم.
سرد جابر أمنياته التي يرجو هو وبني فئته تحقيقها ومنها «ضرورة زيادة عدد مترجمي لغة الإشارة واعتماد وجودهم في كل المرافق الحكومية» ليتخلصوا من معاناة مراجعة الجهات والعودة بخفي حنين.
فجأة توقف جابر عن التواصل وكأنه يستذكر شيئا ثم استأنف المداخلة بإثارة مسألة حيوية بالنسبة لأفراد فئته وهي توفير وسيلة للتواصل المرئي تيسر للصم الاطلاع على كل الفعاليات المجتمعية كأفراد ذوي قدرات فاعلة في المجتمع.
تتلخص فكرة هذا النوع من التواصل وفق ما ذكره الكندري في شركة تزود خدمة الترجمة الفورية المرئية عبر مترجمي إشارة بمقابل «مدعوم» على مدار الساعة ليبلغ الأصم رسالته إلى من يريد ووقتما يشاء.
المصدر: جريدة الأنباء الكويتية