“عين عذبة” تتفجر من أعماق البحر في القحمة.. كنز طبيعي يروي أسرار الجنوب

في زاوية هادئة من سواحل منطقة عسير، وتحديدًا في مركز القحمة جنوب غرب المملكة، تتجلى واحدة من أعجب الظواهر البيئية التي تخطف الأنظار وتثير الفضول، حيث تنبع عين عذبة من عمق البحر، متحدية منطق الملوحة الذي يفرضه المحيط، ومرسّخة صورة ساحرة لمزيج من الجمال الطبيعي والتكوين الجيولوجي الفريد.
سر الماء العذب في قلب البحر
العين التي يطلق عليها أهالي القحمة اسم “العين العذبة”، هي منبع مياه غير مالحة يظهر بوضوح عند انخفاض منسوب البحر (الجزر)، في حين يختفي أثره عند المد، مما يضفي على المشهد غموض طبيعي يثير الدهشة. وقد عرفها سكان المنطقة منذ عقود طويلة، وظلت بمثابة مورد طبيعي يُسقى منه الإنسان والحيوان، ويُتناقل خبره جيلًا بعد جيل.
يقول علي حسين، أحد كبار أهالي القحمة في حديث لتقارير إعلامية “نحن نعرف عن هذه العين من أيام أجدادنا، كانت الإبل تشرب منها، وكان القادمون من الشام واليمن يستخدمونها لسقيا مواشيهم، وكان الناس يملأون منها مياه الشرب لأنها صالحة رغم طعمها الذي يميل قليل للملوحة.”
أربعة عيون تحت سطح البحر
المثير للدهشة أن هذه العين ليست الوحيدة في الموقع، بل أشار الأهالي إلى وجود أربع عيون مائية مختلفة في المنطقة البحرية، لكن التي تظهر بشكل واضح وتستخدم هي واحدة فقط. وتتميّز هذه المياه بأنها تتفاعل مع حركة البحر، إذ تغمرها المياه أثناء المد، وتظهر واضحة ونقية وقت الجزر، ما يعكس تناغمًا فريدًا بين المياه الجوفية والبيئة البحرية.
هل من تفسير علمي؟
علميًا تعرف هذه الظاهرة باسم “العيون البحرية العذبة” وهي نادرة الحدوث عالميًا، وتنجم غالبًا عن تسرب المياه الجوفية من باطن الأرض عبر شقوق صخرية أو كهوف كلسية، لتصل إلى قاع البحر دون أن تختلط تمامًا بالمياه المالحة بسبب الفروق في الكثافة، لكن تبقى هذه العيون بحاجة ماسة إلى دراسة علمية محلية تضع تفسيرًا دقيقًا لحالة القحمة تحديدًا.
وجهة سياحية بكر تنتظر الاستثمار
الموقع الذي يحتضن هذه الظاهرة الطبيعية لا يزال بكر، لم تطله مشاريع التطوير أو الترويج السياحي، رغم امتلاكه مقومات سياحية نادرة، سواء من حيث الجمال البيئي أو قيمة الظاهرة الطبيعية. ويأمل الأهالي أن تتبنى الجهات المختصة مثل وزارة السياحة والهيئة السعودية للحياة الفطرية مبادرات لتطوير المنطقة، مع الحفاظ على طابعها البيئي والثقافي، وتحويلها إلى وجهة للباحثين والمستكشفين ومحبي الطبيعة.
إتبعنا