الوكيل الإخباري
  في عالم اليوم؛ تتعاظم التحديات وتتداخل الأزمات، حيث لا نزال نشهد تقلبات اقتصادية متسارعة ومستمرة في كل بقاع الأرض، إلى جانب ما نشهده من تعقيدات إقليمية متشابكة، فضلاً عن التداعيات المتواصلة لجائحة كورونا التي ألقت بظلالها على العالم. في ظل هذه الظروف، فإن سمة كالمرونة تبدو في كثير من الأحيان أشبه بشعار نظري أكثر من كونها ممارسة فعلية.

اضافة اعلان


وسط اضطراب المشهد بفعل هذه التحديات والأزمات، يواصل الأردن ترسيخ موقعه كنموذج للصمود والاستقرار والتخطيط بعيد المدى، مقدماً تجربة مغايرة تجمع بين الرؤية الاستراتيجية والنهج العملي والتطبيق المدروس، من قلب المشرق العربي. هذه القدرة على الصمود، وهي المستمدة من قيادة حكيمة واستثمار واعٍ في الإنسان، إنما تشكل حجر الأساس الذي ينطلق منه مجمع الملك الحسين للأعمال نحو المستقبل كمشروع يترجم مرونة المملكة إلى بيئة أعمال واعدة ومتكاملة.


بالرغم من محدودية الموارد الطبيعية، أثبت الأردن على الدوام أنه قادر على النمو والازدهار في مواجهة التحديات بمنتهى المرونة؛ إذ ثمة ارتباط وثيق بين هذه المرونة والرؤية السامية لجلالة الملك عبدالله الثاني، الذي وجه المملكة بخطوات ثابتة للتحول إلى مركز إقليمي للابتكار والتكنولوجيا والأعمال. وقد تجلت الانعكاسات الإيجابية لهذا التوجيه الملكي في مشاريع ومنظومات أعمال بارزة، لعل من أهمها مجمع الملك الحسين للأعمال، الذي تحوّل بفعل الحوكمة الرشيدة إلى منصة ليس فقط للاستقرار، بل للنمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والدولية.


في قلب مجمع الملك الحسين للأعمال، تتجسد الرؤية والروح الوطنية في صورة بيئة عمل متطورة برغم التقلبات العالمية؛ فمن خلال العمل بالاعتماد على استراتيجية مدروسة بعناية، فقد تمكنا في المجمع من تهيئة بيئة ملائمة وفضاء حيوي من شأنه دعم وتعزيز أداء الشركات، لا سيما في مجال التكنولوجيا والابتكار. واليوم، يتيح المجمع مساحات مكتبية عصرية تمتد على أكثر من 150 ألف متر مربع، كما أنه يعمل كمنصة للأعمال، محتضناً أكثر من 27 شركة عالمية، و81 شركة محلية، و290 شركة ناشئة، وذلك في انعكاس للثقة العالية من المستثمرين برؤية المجمع ومساره المستقبلي.


هذه المكانة لم تأتِ صدفة، بل بالنظر لسمات عدة يتميز بها المجمع، تتصدرها القدرة المستمرة على التطور والاستجابة الكفؤة للاحتياجات المتغيرة للمستثمرين والمستأجرين والزوار الحاليين والمحتملين، وهي القدرة المدفوعة بالفهم العميق لهذه الاحتياجات على تنوعها، وبالمرونة في التفكير والتخطيط والإدارة، والتي تقف وراء تطوير وإطلاق الحلول العملية التي تحسن وتثري تجربة المتعاملين مع المجمع.


في هذا السياق، وعلى سبيل المثال، فقد طورنا حلول تنقل ذكية تسهل الحركة من وإلى المجمع وداخله، كما اجتهدنا لتحسين وصول الأشخاص ذوي الإعاقة لمختلف المرافق والخدمات من خلال التحسينات التي ستتواصل على البنية التحتية وتأهيل المرافق لتكون أكثر شمولاً وملاءمة للجميع. وامتداداً لنهجنا القائم على التكيف المرن والابتكار، فقد أطلقنا “مجمع الملك الحسين للأعمال الافتراضي” كأول منصة ذكية متكاملة للأعمال على مستوى الأردن والمنطقة، لتمكين الأعمال الافتراضية من أن تصبح جزءاً من منظومة المجمع ولدمجها ضمن بيئة مرنة ومتصلة تعكس أنماط العمل عالمياً. وعلى صعيد موازٍ، فإن برامجنا المجتمعية التي تأتي تعزيزاً لبيئة الأعمال، بما فيها مهرجانات نهاية الأسبوع، ومبادرات الاستدامة والتحول الأخضر، لا تنفصل عن رؤيتنا، والتي تعد بمجملها ركائز أساسية لتحويل المجمع لمركز حيوي نابض ووجهة شاملة تشرع أبوابها أمام الجميع في مختلف الأوقات.


تكمن الغاية الأوسع من جميع هذه الجهود، في توفير بيئة تتركز فيها الأعمال في الأردن وتتكامل، بالاستفادة من المزايا الفريدة التي تتسم بها المملكة، خاصة من حيث موقعها الاستراتيجي وتنوع مواردها البشرية. ومما لا شك فيه أن تحقيق هذه الغاية لم يكن ليتم لولا السياسات الاستثمارية المحفزة، والتي تأتي مدعومة بثروة بشرية تعد من أبرز مقومات الأردن التنافسية؛ فالمملكة تزخر بقاعدة بشرية واعدة، تتألف من شريحة شبابية متعلمة ومتمكنة من أدوات العصر الرقمي؛ إذ يتخرج سنوياً أكثر من 7 آلاف طالب في تخصصات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، في الوقت الذي تقدم فيه ما نسبته 81% من الجامعات الأردنية برامج أكاديمية متخصصة في هذا المجال، ما يساهم في بناء جيل مؤهل لقيادة التحول الرقمي وتلبية متطلبات الاقتصاد الحديث.


ومن خلال ما يقدمه المجمع، فإنه يساهم بدوره في بناء المواهب الصاعدة؛ حيث أنه يحتضن ـجامعة الحسين التقنية، التي تعد من أبرز الجامعات الرائدة التي تركز على ردم فجوة المهارات في السوق من خلال نموذج التعليم التطبيقي والتدريب العملي، الذي يركز على الكفاءة العملية.


وفضلاً عن ذلك، ومن منطلق إدراك أهمية الاتصال والتواصل بوصفه شريان الحياة للأعمال الحديثة، فقد أولى الأردن اهتماماً كبيراً لتعزيز بنيته التحتية الرقمية المتقدمة، من خلال الاستثمار الواسع في شبكات الألياف الضوئية، ومراكز البيانات الحديثة، إلى جانب التوسع الجاري في تطبيقات الجيل الخامس.

هذه البنية المتطورة أسهمت في ترسيخ موقع العاصمة عمّان كمركز تكنولوجي رائد على مستوى المشرق العربي، فيما يعزز الموقع الجغرافي المتوسط بين ثلاث قارات للمملكة، من فرص الوصول الاستثنائي إلى الأسواق الإقليمية والدولية على حد سواء. هذا وتمثل العاصمة باعتبارها كبرى مدن المشرق، نقطة انطلاق استراتيجية للشركات التي تتطلع للتوسع الإقليمي وخدمة المزيد من الأسواق.


وعلاوة على كل ذلك، فإن البيئة الاستثمارية الجاذبة في الأردن، تعززها سياسات الحكومة الداعمة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهي المنطوية على تقديم تسهيلات وحوافز مجزية، كالإعفاءات الضريبية والدعم المباشر للقطاعات الحيوية، بينما تتيح مجموعة الاتفاقيات التجارية الدولية الواسعة التي يتمتع بها الأردن فرص وصول تفضيلية أمام المستثمرين إلى أسواق عالمية تضم أكثر من 1.5 مليار مستهلك.


وتتسارع رحلتنا ووتيرة النمو لدينا في مجمع الملك الحسين للأعمال، وذلك مع إطلاق المرحلة الجديدة في إطار مشروع التوسعة، وهي محطة مفصلية في مسيرتنا، تهدف إلى ترسيخ وتعزيز دور المجمع كبوابة رئيسية للأعمال إلى الأردن والمشرق العربي. وتشمل هذه المرحلة إتاحة مساحة إضافية قابلة للتأجير تبلغ 340,000 متر مربع، إلى جانب ما تتضمنه من مرافق جديدة منها: مجمع رياضي وترفيهي وفندق وشقق فندقية وغيرها.


ويعد هذا التوسع امتداداً طبيعياً لمقومات التميز التي رسخت مكانة المجمع كوجهة مفضلة وجاذبة للاستثمار والأعمال، وسط توقعات أن تسهم المرحلة الجديدة في خلق نحو 20 ألف فرصة عمل، ما يوفر فرصاً كبيرة للكفاءات الأردنية.


أما المنظومة الحالية في مجمع الملك الحسين للأعمال، والتي تضم مزيجاً متنوعاً من شركات التكنولوجيا العالمية والشركات الناشئة المبتكرة، فهي شهادة حية على البيئة التفاعلية والمواتية التي نوفرها. نحن لا نبني بنية تحتية فحسب، بل نرعى مجتمعاً مهنياً يزدهر فيه التعاون، ويتحول فيه النمو من طموح إلى واقع. ومع بدء المرحلة الجديدة، يفتح المجمع آفاق شراكات استراتيجية تقوم على الاستقرار، وتقودها الرؤية المستقبلية الطموحة، مستهدفة نمواً مستداماً واستثنائياً يواكب التطلعات.

 

بقلم: المهندس عمّار عز الدين، الرئيس التنفيذي لمجمع الملك الحسين للأعمال























شاركها.