عقد مجمع اللغة العربية الأردني، اليوم الثلاثاء، مؤتمره السنوي الذي يأتي تحت عنوان “حال اللغة العربية في القرون (1012هـ / 1618م)”.اضافة اعلان

وأكد رئيس المجمع، الدكتور محمد عدنان البخيت، في حفل الافتتاح، أن هذا المؤتمر يأتي استمرارًا لتقاليد أكاديمية سار عليها المجمع كل عام، ليعالج موضوعًا معينًا تُقدَّم فيه بحوث ودراسات في إطار رسالة المجمع الرامية لخدمة اللغة العربية، والبحث في تراثها الغنيّ، ومتابعة تطورها عبر العصور المختلفة.

وقال الدكتور البخيت: “إن أحوال اللغة العربية زمن العهدين المملوكيين البرجي والبحري (648هـ / 922م) تمثّل مرحلةً مهمّة في تاريخ العربية، إذ إن العلماء المسلمين ومن تربّوا في ديارهم لم يتركوا بابًا من أبواب علوم الدين والدنيا وفنون المعرفة إلا وألفوا فيه على ضوء ما تكشفه لنا الفهارس، مثل ابن النديم وحاجي خليفة”.

وعبّر عن هذه المرحلة بوصفها مرحلة تأليف الموسوعات في كل صنوف المعرفة وكتب الطبقات للفقهاء والشعراء والأطباء وأهل الإفتاء وحفّاظ القرآن الكريم والمفسرين وعلماء الحديث، وكتابة تاريخ الأمة الإسلامية ومن عاصرها من الشعوب والأمم.

ولفت إلى أن ظاهرة التأليف بدأت بالانحسار بعد دخول العثمانيين بلاد الشام ومصر واليمن والحجاز، وبقي الاهتمام بكتب الطبقات على أنواعها وتدوين أسماء الولاة.

وبيّن أن سبب تنامي التأليف في العهد المملوكي يعود إلى أن المماليك، الذين كانوا في غالبيتهم من أصول مغولية وتركية متباينة، كما يوضح ذلك قاموس “ديوان لغات الترك” لمحمود بن محمد الكاشغري (10291101م)، فإن لغتهم وإن تشابهت في الجذور إلا أنّها متعددة اللهجات، فبقيت اللغة العربية لغة الحكم والإدارة والتأليف، حتى تحوّل الأمر إلى إسطنبول، فأصبحت العثمانية لغة الحكم والإدارة والتشريع.

وختم رئيس المجمع كلمته بالتأكيد على أنه في ضوء هذه البحوث المقدمة استقرّ التأليف على كتب التراجم والتكشيف وكتابة التاريخ المحلي، وبخاصة تاريخ الأسر العلمية ودورها في الحياة العامة.

وشهد اليوم الأول من المؤتمر، الذي يستمر يومين، انعقاد جلستين علميتين قُدِّم فيهما الباحثون رؤى جديدة تسلّط الضوء على صورة العربية في القرون الثلاثة موضع الدراسة.

وفي الجلسة الأولى، التي ترأسها رئيس لجنة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، عضو المجمع الدكتور علي محافظة، وشارك فيها عضو المجمع الدكتور سمير الدروبي ببحث عنوانه: “جلال الدين السيوطي والمعرّب والدخيل في القرآن الكريم”، والدكتورة زينب موسى من جامعة جرش الأهلية ببحثٍ معنونٍ بـ”الدراسات اللغوية العربية عند اللغويين الأتراك في القرون (1012هـ / 1618م)”.

وتناول الدكتور الدروبي في بحثه عمل السيوطي في دراسة الألفاظ الوافدة في النص القرآني، مستعرضًا جهوده في دراسة المعرّبات في القرآن الكريم من خلال كتبه في المعاجم المختصة وعلوم التفسير وعلوم القرآن وكتب الأدب والسير الذاتية، وكتب علوم اللغة والإعجاز القرآني.

كما عرض العلل والأسباب التي أدت إلى اهتمام السيوطي بموضوع المعرّب في القرآن من خلال مشروعه في الدراسات القرآنية، مشيرًا إلى كتابه “التحبير في علم التفسير”، ثم معجمه المسمى بـ”المهذب فيما وقع في القرآن من المعرّب”، الذي يُعدّ باكورة أعماله في المعرّبات القرآنية في التراث الإسلامي، وحاول فيه تأصيل هذه المعرّبات اعتمادًا على الروايات الواردة في كتب الحديث والتفسير، إضافةً إلى المعاجم اللغوية القديمة، عاقدًا وجود هذه المعرّبات في القرآن مظهرًا من مظاهر الإعجاز القرآني.

وأبرزت الدكتورة موسى في بحثها أثر الامتداد العثماني على التفاعل اللغوي بين العربية والتركية، مسلطةً الضوء على إنجازات عدد من اللغويين الأتراك مثل أحمد بن سليمان باشا ومصطفى بن عبد الله كاتب جلبي، صاحب “كشف الظنون”.

وأوضحت موسى أن الدراسات اللغوية التي قدمها اللغويون الأتراك تنوعت بين دراسات النحو والصرف وتصانيف التراث العربي والتفسير، ما يظهر اهتمام الخلافة العثمانية بالعربية، ومدى نمو وتطور العلوم الإسلامية باللغة العربية في عهدها.

أما الجلسة الثانية، التي ترأسها عضو المجمع الدكتور محمد حور، فقد شارك فيها كل من: عضو المجمع الدكتور فايز القيسي من جامعة مؤتة ببحثٍ عنوانه “أدب الرحلة وجه من وجوه السير الذاتية:

قراءة في رحلة المطالع البدرية في المنازل الرومية لبدر الدين الغزي (ت984هـ / 1577م)”، والدكتورة بسمة الدجاني من الجامعة الأردنية ببحث عنوانه “لسان حال المجتمع الإسلامي في كتاب منية المحبين وبغية العاشقين لمرعي الكرمي (ت1033هـ / 1624م)”، والدكتور إبراهيم الدهون من الجامعة الهاشمية ببحث عنوانه “الصنعة الهاشمية في نص شهاب الدين بن معتوق الموسوي (ت1087هـ /1676م)”.

وكشف الدكتور القيسي في بحثه عن ملامح السيرة الذاتية في رحلة العالم الدمشقي محمد بدر الدين الغزي، بعد الفتح العثماني لبلاد الشام إلى إسطنبول في عام 1530، التي تنطلق من أن الغزي استطاع أن يجعل من الحديث عن الرحلة عنصرًا جامعًا بين السيرة الذاتية وأدب السفر والارتحال.

وبيّن أن هذه الدراسة تقف عند العناصر الفنية التي قام عليها السرد الأدبي في رحلة الغزي، وفي مقدمتها الجمع بين متطلبات المعنى وجماليات التعبير الأدبي في خطاب الرحلة، وجعله يقترب من الشعر ويستعير بعضًا من سماته الفنية العامة، كالإيقاع والانزياح اللغوي والوصف التعبيري الشعري، والدهشة والتعجب وعدم التوقع، وغيرها من سمات الشعر.

وختم الدكتور القيسي قائلًا: “وتبدو أهمية خطاب الغزي في رحلته في أنه جاء تعبيرًا إبداعيًا صادرًا عن موقع وموقف وممارسة وخبرة وثقافة واسعة”.

بدورها، شددت الدكتورة الدجاني في بحثها على أهمية قراءة التراث الأدبي والفقهي العربي بوصفه انعكاسًا لتجارب المجتمع وتعبيرًا عن حاجاته الإنسانية المتجددة، مركزةً على الجانب الإنساني والتربوي في التراث الأدبي العربي.

وبيّنت أن بحثها “يركز على عرض فصول كتاب (مُنية المحبّين وبُغية العاشقين) الذي حققت مخطوطاته، وضبطت حواشيه وصححته، وعرّفت بقيمته كتابًا تربويًّا مفيدًا في محتواه، وبمكانة مؤلّفه الإمام الفقيه الشيخ مرعي الكرمي المقدسي الأزهري المصري الحنبلي المتوفّى سنة 1033 للهجرة، الذي وضع نصب عينيه مقصد إصلاح المجتمع.

وأشارت إلى أن عددًا من الكتّاب والمؤلفين في القديم والحديث استجابوا لحاجات مجتمعاتهم، ووضعوا مؤلفاتٍ مجتمعية ضمّنوها مداخلات دينية وصحية وأدبية ومنطقية حول الموضوع الذي طرحوه وناقشوه فيها، لافتةً إلى أن الإمام ابن حزم والإمام ابن الجوزي والإمام ابن القيّم الجوزيّة من أبرز الأمثلة الدالة على أولئك المؤلفين.

واختتمت بأن البحث “يدعو إلى إعادة دراسة نماذج من إنتاج الفقهاء المتميّز في الحضارة العربيّة الإسلاميّة بشموليّته ووضوحه وارتباطه بالواقع، حيث حفظت صفحات المراجع الأدبيّة دروسًا مهمّة وممتعة في تفسير ما يحتاج إليه طالب المعرفة في حقل الهوى وتبادل المشاعر الإنسانيّة الطبيعيّة”.

أما الدكتور الدهون فتناول في بحثه السمات الفنية واللغوية في شعر ابن معتوق الموسوي، مبينًا أن البحث “يعالج تضميخات اللغة الشعرية بروائع النمط الجاهلي وامتداداته عند الشاعر العثماني ابن معتوق الموسوي، كونه يتمتع بإلمام وافر بمفرداته ومحاكاة أسلوبه، لا لأنه المثال الرفيع لفن الإنسان القولي، بل لأن المدونة الشعرية الجاهلية تحفل برحابة كونية وتصورات استنارية تتجاوز ضيق الخصوصية وسياقاتها”.

وركز الدهون في بحثه على مبحثين رئيسيين، هما تجليات اللغة الجاهلية في خطاب ابن معتوق الشعري، واستحضار الأساليب الفنية الجاهلية في طوالع النص المعتوقي.

وفي ختام فعاليات اليوم الأول، أكّد المجمع أنّ مثل هذه المؤتمرات تمثل منبرًا علميًا للحوار اللغوي الرصين، وتأتي في إطار جهوده الدؤوبة في صون اللغة العربية وتعزيز حضورها في الفكر والبحث والتعليم، مشيرًا إلى أن الجلسات اللاحقة ستواصل مناقشة عدد من البحوث المتخصصة في اللغة والأدب والتاريخ الثقافي للحضارة العربية الإسلامية.

شاركها.