قرن من الكرة (6).. حين كان محمد الخامس حكما لنهائي كأس العرش وإحداث أول منتخب وطني

“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
الملك محمد الخامس يحكم نهائي كأس العرش
بعد حصول المغرب على استقلاله في نونبر سنة 1956، جرى إحداث البطولة الوطنية بمختلف أقسامها بالاعتماد على نظام التصفيات، كما تم إجراء أول نهائي لمنافسات كأس للعرش والذي جمع بين مولودية وجدة والوداد الرياضي.
يحكي الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن “هذه المباراة تعتبر من الأحداث التي تحتفظ بها ذاكرة الناس الذين حضروا من الملعب، حيث حضرها الملك الراحل محمد الخامس، وقد كانت أول مباراة يحضرها في إطار المغرب المستقل، وكانت مباراة كأس العرش التي تم تحديدها في تاريخ جلوسه على العرش في 18 نونبر 1927، وهو تاريخ جلوسه على العرش”.
في هذه المباراة، يروي اليازغي، وقع حدث مثير، حيث انتهت المباراة بالتعادل بهدف لمثله وكان القانون في ذلك الوقت ينص على أنه في حالة التعادل يتم الترجيح لفريق من لديه أكبر عدد من الركنيات، وتم اللجوء إلى هذا الأمر غير أنه تبين التساوي في هذا الجانب، ليتم التوجه إلى المسؤول عن الرياضة في ذلك الوقت، أحمد بن سودة، الذي كان كاتب دولة للشيبة والرياضة وكان فقيهًا خريج القرويين، لكنه لم يكن يعرف الكثير عن كرة القدم.
بعد ذلك، تقرر التشاور مع الملك محمد الخامس الذي أصدر فتوى بحسن نية دون أي خلفية، وفق اليازغي، وقال إن الفريق الذي سجل أولًا هو الذي فاز، وبالتالي تم منح كأس العرش لمولودية وجدة رغم أن فريق الوداد لازال يرى أنه تعرض للظلم، وكان يمكن أن يتن اللجوء إلأى إجراءات أخرى في ذلك الوقت.
وحسب المتحدث ذاته، فقانون الاتحاد الدولي لكرة القدم باللجوء للأشواط الإضافية أو ضربات الجزاء عند نهاية الوقت الأصلي بالتعادل لم يكن قد تم تطبيقه في المغرب بعد، إذ لم يكن المغرب منخرطًا في الاتحاد الدولي أو الاتحاد الإفريقي في تلك الفترة، مشيرا إلى أن الاعتماد على من يتوفر على أكبر عدد من الركنيات هو الفائز كان تركة من الاستعمار الفرنسي.
ويعتبر اليزاغي أن البطولة كانت فرصة لتثبيت شرعية المغرب بعد الاستقلال، حيث انطلقت البطولة المغربية بعد ذلك، وكانت تضم أندية مغربية ذات تاريخ طويل قبل الاستقلال، مع تواجد فرق من الأحياء، إذ منحها نظام التصفيات الفرصة لتكون في القسم الأول والثاني، مثل فريق التقدم وفريق الحي الصناعي في الرباط.
ومن هنا، يحكي اليازغي أن البطولة المغربية بدأت بطريقة غير متوازنة، حيث كانت هناك فرق قوية مثل الكوكب المراكشي والوداد والرجاء ومولودية وجدة، بينما كانت هناك فرق أخرى ضعيفة على المستوى التاريخي.
تأسيس المنتخب المغربي وأول مباراة في تاريخه
في 1957، يؤكد منصف اليازغي، تم تشكيل أول منتخب مغربي لكرة القدم بعد الاستقلال، إذ كانت المناسبة هي الألعاب العربية في بيروت في أكتوبر 1957 وتم تعيين العربي بن مبارك مدربًا للمنتخب المغربي وكان معه قاسم قاسمي مساعدًا له، فبعد نهاية احترافه في أوروبا، عاد العربي بن مبارك للعب مع فريق اتحاد بلعباس الجزائري ثم انتقل للعب مع الفتح الرباطي في موسم البطولة الأول قبل أن يتم تعيينه كمدرب للمنتخب المغربي.
وكانت أول رحلة للمنتخب المغربي إلى بيروت للمشاركة في البطولة العربية، وكانت أول مباراة ضد العراق وانتهت بالتعادل 33، وكان أول عميد للمنتخب المغربي هو محمد بلخير، لاعب مولودية وجدة، وضم الفريق أبرز اللاعبين من بينهم المحترفين الذين كانوا يلعبون في الخارج، ولاعبون مثل محمد رفقي من الوداد والحسين الزاز، بالإضافة إلى لاعبين آخرين.
وحسب اليازغي، ففي تلك البطولة التي نظمت في لبنان حدثت بعض الأمور في نصف النهائي كانت غير مرضية للمغرب، حيث وقع ظلم في محاولة لمنح الكأس لفريق آخر، وهو ما جعل المغرب ينسحب من المباراة الترتيبية، وعلى عكس ما يقول البعض، لم يفز المغرب في البطولة العربية، بل انسحب من المباراة الترتيبية ولم يلعبها، حسب اليازغي.
ومرت هذه البطولة بأحداث كبرى وصراعات بين اللاعبين، خصوصًا بين الحارس محمد رفقي والعربي بن مبارك، حيث وقع شجار كبير في الفندق وتم احتواء الأمر، وذلك لأنه في الوقت نفسه، كان الراحل مولاي عبد الله، شقيق الحسن الثاني، يستعد لحفل خطوبته على لمياء الصلح اللبنانية.
انطلاق البطولة وكأس العرش وانقلاب 1971
انطلقت البطولة وانطلقت مسابقة كأس العرش، وبدأ المنتخب الوطني في المشاركة، كما كان المغرب يمتلك بنية تحتية للملاعب، حيث كانت هناك منشآت رياضية تركتها فرنسا، مثل ملعب محمد الخامس، الذي اكتمل بناؤه في مارس 1954 وكان يُسمى حينها “الملعب الشرفي”، كما أطلق عليه لاحقًا اسم ملعب “سيردون”، وهو ملاكم مغربيفرنسي عاش في المغرب.
وكانت البنية التحتية الرياضية التي تركتها فرنسا متوفرة إلى حد ما في المغرب، غير أن المشكلة بدأت بالظهور لاحقًا في عام 1975 حيث أجرت وزارة الشباب والرياضة دراسة لتقييم الوضع وتبيّن أن البنية التحتية الرياضية لم تعد ملائمة للنمو الديموغرافي وتزايد الأنشطة الرياضية، ووجد المغرب نفسه أمام نقص كبير في هذا الجانب.
ويعتبر اليازغي أن المغرب استفاد من البنية التحتية التي تركتها فرنسا ومن التنظيم الذي أسسته على مستوى مختلف الرياضات، خاصة كرة القدم، وحتى الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الأولى، كان فيها مسؤولون فرنسيون استمروا في العمل بها.
وعلى عكس ما يعتقد البعض، لم تكن هناك قطيعة كاملة بعد الاستقلال، بل كانت هناك عملية انتقالية سلسة، والعديد من الفرنسيين استمروا في وظائف مختلفة بالمغرب، سواء كأساتذة أو موظفين أو أطر تقنية، وحتى على مستوى كرة القدم، حيث بقي لاعبون ومسؤولون فرنسيون نشطين، وفق اليازغي.
وبالنسبة لمسابقة كأس العرش، كانت تقام في القصر الملكي بالرباط، بحضور الملك الراحل محمد الخامس أو الحسن الثاني، بعد الاستقلال، أصبحت كأس العرش حدثًا رئيسيًا في تاريخ كرة القدم المغربية، حيث تطمح جميع الفرق للمشاركة فيها، خاصة أنها على عكس البطولة الوطنية، تُجرى بين جميع الأندية بدون استثناء، من أصغر الفرق إلى أكبرها، كما كان فريق مجد المدينة هو أول فريق يفوز بكأس العرش سنة 1946، وفق النظام الذي كان تحت إشراف العصبة الحرة لكرة القدم.
مسابقة كأس العرش كانت تُقام دائمًا تحت رعاية أحد أفراد الأسرة الملكية، وخاصة الراحل الحسن الثاني، الذي كان يحرص على حضور المباريات النهائية، حتى في فترات انشغاله، كان القصر الملكي يحدد مواعيد المباريات النهائية بشكل يتناسب مع جدول أعماله.
وأحيانًا، كانت تُقام ثلاثة نهائيات في عام واحد، أو يُجرى نهائيان في يوم واحد بسبب مشاكل بروتوكولية أو ظروف صحية للملك الحسن الثاني خلال التسعينيات، وبعد ذلك، واصلت الأسرة الملكية تقليد الحضور، سواء من خلال الأمير مولاي رشيد أو ولي العهد مولاي الحسن.، ويؤكد اليازغي أن كأس العرش يحمل رمزية كبيرة ويعزز صورة القصر الملكي في هذه المسابقة.
ورغم ذلك، مرت كأس العرش بفترة اضطراب وحيدة منذ الاستقلال، حيث لم تُجر المباراة النهائية عام 1971 بين فريق الجمارك (الراك) وفريق شباب المحمدية، بسبب محاولة انقلاب الصخيرات.
المصدر: العمق المغربي