دخلت المواجهة الروسية الأطلسية على الأرض الأوكرانية منعطفا جديدا في مسارها بعد أن صعدت موسكو من موقفها بتعليق العمل بمعاهدة ستارت للحدِّ من الأسلحة الاستراتيجية الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي تضع قيودا على الترسانات النووية الاستراتيجية لدى الجانبين، وهو تطور جديد في مسار الحرب المتواصلة منذ عام.وعندما يصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي للشعب الروسي بأن بلاده تواجه اليوم خطرا وجوديا ومن المستحيل هزيمتها في أرض المعركة، فإنه يحذر من تحويل الصراع إلى نزاع عالمي من أجل القضاء على بلاده.وتراهن موسكو في مسار المواجهة مع الغرب الأطلسي على الدعم الصيني الذي بات يقلق واشنطن التي تسعى لتحييد بكين في مسار المواجهة، فضلًا عن التردد الأوروبي والأميركي في تزويد كييف بالأسلحة المتطورة والطائرات الهجومية، هذا التردد طبقا لمحللين تستثمره موسكو وتواصل الضغط في ميادين المعركة.والسؤال، الذي بات يقلق المتابعين لمسار المواجهة وصفحاتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، هو: هل نحن أمام احتمال هزيمة أحد طرفي النزاع وتداعيات هذه الهزيمة على ميزان القوى والصراع بين الغرب وروسيا وانعكاس ذلك على الأمن والسلم الدوليين؟من دون الاستغراق بالتفاصيل، فإن الخيار النووي واحتمالات اللجوء إليه في مسار المواجهة بسببه سيلحق الضرر بالجميع في حال الإقدام عليه، ما يدفع الأطراف المتورطة بالمواجهة إلى اللجوء إلى خيارات أخرى تبعد شبح الخيار النووي ومخاطره على البشرية جمعاء.إن مخاطر الخيار النووي هي التي ستدفع طرفي المواجهة للبحث عن مخارج بديلة؛ لأن امتلاك طرفي الصراع السلاح النووي يردع الطرفين ويجبرهما على طاولة الحوار والتهدئة والحل السلمي.وعلى الرغم من أن روسيا بلسان رئيسها بوتين تؤكد استحالة هزيمتها بالحرب؛ لأنها معركة وجود، فإن الولايات المتحدة الأميركية وبلسان رئيسها بايدن تؤكد أيضا أنها ستنتصر بالمعركة، وهي ثنائية ومعادلة قد تقود إلى الطرفين إلى حلٍّ يلبِّي حاجتهما إلى السلام وإبعاد شبح اللجوء إلى خيارات قد تدخل العالم في أتون صراع من أجل الحياة أو الموت. إن الاستسلام للابتزاز النووي قد يشعل حربا نوويا ربما التنازلات المتقابلة تمنع وقوعها وقد تقود الطرفين إلى مائدة المفاوضات. إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن كانت تعتقد أن التلويح بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا سيردع بوتين على مواصلة الحرب؛ لأن العقوبات ستفلح في تعطيل آلته الحربية وإثارة الرأي العام عليه وإجباره على التراجع، لكن الرئيس الروسي كان مقتنعا عندما أقدم على العملية العسكرية الخاصة بأن بمقدور بلاده تجاوز تلك العقوبات بأمان، غير أن الوقائع في الميدان تشير إلى مصاعب تواجه موسكو في ميادين القتال بفعل الحشد الدولي الذي قدر عدد الدول المشاركة في مسارها كل حسب إمكاناتها بنحو 50 دولة.إن المارد الذي حذر بوتين من خروجه من قمقمه هو بقدر ما كان رسالة تحذير لأميركا والغرب، فإن الوجه الآخر للرسالة هو الرغبة في اللجوء للتهدئة والبحث عن الحلول؛ لأن المارد الروسي سيلاقي أكثر من مارد بانتظاره وهنا تكمن الكارثة.