بعد التفاوض الأمريكي الحمساوي ..حتى لا تقع حماس بنفس خطأ فتح

من أكبر الاخطاء التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية عند توقيع اتفاق أوسلو انها اعتبرت أن الاعتراف بها عبر الاعتراف بمنظمة التحرير يساوي الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ، لذا جاء بالرسائل المتبادلة بين ياسر عرفات وإسحق رابين ، اعتراف الاول باسرائيل بل وبحقها بالعيش بأمن وسلام، بينما الثاني اعترف فقط بمنظمة التحرير كممثل للشعب الفلسطيني، وتم دفع ثمن هذا الخطأ غاليا بما في ذلك تفريغ المنظمة التي اعترف بها من محتواها وتقزيم دورها.
والشئ بالشئ يذكر هناك أشخاص وقوى تعتبر أن تمثيلها في المنظمة ومشاركتها في اللجنة التنفيذية هو الاولوية والهدف الأسمى وليس السياسات والأداء والصلاحيات، مع ان التجربة أثبتت أن هذا لا شئ ما دامت مؤسسات المنظمة مفرغة من أي دور حقيقي وأن القرار الفلسطيني لا يصنع فيها ، وانما هي شاهد الزور إذ دورها أن تصادق على قرارات لا توافق عليها ولا تعلم عنها شيئا.
أشير إلى ذلك بعد الأنباء عن بداية تحول في السياسة الامريكيه تمثل بفتح حوار وتفاوض مع حماس، على مستوى سياسي، فهناك اتصالات على مستويات أمنية تمت عدة مرات سابقا، وهناك مصادر مطلعة، لم تؤكد من أصحاب العلاقة، تتحدث عن اتصالات على مستوى عال تمت في فترة رئاسة بايدن كانت أحد الأسباب وراء اغتيال هنية، لأن حكومة نتنياهو لا ترحب بهذا التطور، وذلك يعني تجاوز للسياسة الأمريكية بمنع التفاوض مع حركة مصنفة أمريكيا ارهابية منذ حوالي ثلاثين عاما.
أشدد على أن التفاوض مع حماس لا يعني بداية افتراق أمريكي إسرائيلي مع انه غير مرحب به اسرائيليا وينطوي على نوع من الخلاف المحدود، ولا تغيير في الأهداف، وانما محاولة لتحقيقها بوسائل أخرى، ولا يشكل اعترافاً بحماس ولا بمطالب حماس، وهو أحد الثمار المرة للإنقسام، ولا يعني كما يعتقد العديدين بل الكثيريين حتى بعضهم من حماس، بأن سيناريو تجدد الحرب قد أزيح أو لم يكن أصلا موجود عن الطاولة، بل أن الحرب قد تتجدد لأن الكثير من الأسباب التي أوقفتها لم تعد قائمة وأهمها تغير موقف ترامب الذي أعرب عن دعمه لأي قرار يتخذه نتنياهو، بل انها تجددت فعلا بفرض الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية بموافقة أمريكية، فالحصار جريمة حرب ومن أشكال الحرب وفق القانون الدولي، وإذا تحققت الاهداف الاسرائيلية المدعومة أمريكيا، وهي نزع السلاح وتغيير الحكم في غزة وتعميق فعلي للفصل بين الضفة وغزة والمساس بوحدة النظام السياسي الفلسطيني، ونقل قيادات حمساوية ومن بقية فصائل المقاومة إلى خارج القطاع، و ايجاد حكم بديل لحكم حماس تابع و تحت وصاية اقليمية ودولية وامريكية وبإشراف اسرائيلي، أو تغيير حماس جوهريا، وهذا مستبعد جدا على الأقل حاليا، لتلبي الشروط المطلوبة(وهي ذات الشروط المعروفة سيئة الصيت والسمعة شروط الرباعية) .
هناك هدف كبير لترامب وهو سيتحكم بخطواته وهو اصطياد السعودية إلى فخ التطبيع وما يفتحه ذلك من مكاسب لا تحصى لواشنطن، وهذا الهدف له ثمن فلسطيني يجب أن يدفعه نتنياهو وائتلافه الحاكم ولا يقدر عليه، وهناك ثمن لا بد وأن يدفعه محمود عباس وحماس، لذلك تجري محاولات حثيثة لتعيين نائب لعباس وحتى يقوم هو بدور رمزي، ومحاولات لإبعاد حماس أو تغييرها.
فالمطلوب سعوديا حتى تقبل الرياض بعقد الصفقة الكبرى أن يكون هناك أفق سياسي يتضمن أو ينتهي بقيام دولة فلسطينية أو نوع من الدولة على شاكلة ما جاء في صفقة ترامب، وهذا لا تستطيع حكومة نتنياهو الحالية أن تدفعه، كما لا يستطيع الفلسطينيون خصوصا حماس بصورتها الحالية الموافقة عليه.
الاعتراف الأمريكي والدولي بحماس مهم، ولكن ليس على حساب الحقوق الفلسطينية، وهو لا يؤدي إلى الاعتراف بالحقوق ، بل قد يغطي على المساس بها.
لو تم تشكيل حكومة وفاق وطني بعد إعلان بكين في تموز الماضي، ولو تم تشكيل وفد فلسطيني موحد يفاوض باسم المنظمة والفلسطينيين جميعا ولديه مرجعية وطنية، لما وصلنا إلى ما نبحث فيه حاليا، وإذا لم يتوحد الفلسطينيون او يتوافقوا وطنيا على السياسات والإجراءات المطلوب
سيهبط السقف الفلسطيني أكثر.
فلا بد من أخذ العبرة من التجارب السابقة، فالوحدة على أي مستوى ولو من خلال التنسيق وتبادل الأدوار أفضل من التشرذم والانقسام، وبقاء أي فصيل ودوره المستقبلي، ولا أي قائد مهما كان ليس أهم من مستقبل فلسطين ومستقبل القضية الفلسطينية.