آخر تحديث:

بقلم:د.مصطفى الصبيحي

حين نتحدث عن مستقبل العراق، فإننا لا نتحدث عن النفط ولا عن السياسة ولا عن المشاريع العملاقة التي تُرسم على الورق، بل نتحدث أولاً عن الشاب العراقي. هذا الشاب الذي يشبه بركاناً من الطموح إذا أُعطي فرصة، ويشبه جمراً تحت الرماد إذا تُرك مهملاً. الشاب العراقي هو مشروع وطن، ومصيره لا ينفصل عن مصير الدولة، فإذا ارتفع ارتفع العراق، وإذا انكسر انكسر معه العراق كله.
اليوم يقف الشاب العراقي عند مفترق طرق. من جهة، يحمل في قلبه أحلاماً واسعة؛ أن يبني بيتاً، أن يكوّن أسرة، أن يجد عملاً يليق بكرامته. ومن جهة أخرى، يواجه جداراً عالياً من البطالة، والإحباط، وضعف الفرص. كثير من الشباب تخرجوا من الجامعات ثم جلسوا على أرصفة الانتظار، كأن الشهادة التي حصلوا عليها لا تكفي إلا لتزيين الجدار. وكثير منهم تركوا أحلامهم في المطار، حين قرروا الهجرة والبحث عن حياة أخرى في أرض أخرى، لأن أرضهم لم تمنحهم ما يستحقون.
إن مستقبل الشاب العراقي ليس شأناً فردياً، بل هو شأن وطني وسياسي واقتصادي وأمني أيضاً. لا يمكن لدولة أن تزدهر فيما شبابها يذبلون. ولا يمكن لحكومة أن تدّعي الاستقرار فيما جيل كامل يعيش على الأمل المؤجل. لهذا فإن الدولة العراقية مطالبة اليوم أن تعيد النظر في معادلة التعامل مع الشباب. لم يعد كافياً أن نقول: “نفتح باب التعيين” وكأن الحل يكمن فقط في الوظيفة الحكومية. التعيين قد يُسكت البعض لفترة، لكنه لا يصنع مستقبلاً، ولا يبني اقتصاداً، ولا يحرر شاباً من الخوف على غده.
ما يحتاجه الشاب العراقي اليوم هو رؤية جديدة، رؤية ترى فيه شريكاً لا عبئاً. يحتاج أن يشعر أن الدولة تفتح له الأبواب لا أن تغلقها. يحتاج إلى قروض صغيرة بفوائد ميسرة ليبدأ مشروعاً، يحتاح إلى حاضنات أعمال تتيح له أن يحول فكرته إلى شركة، يحتاج إلى دعم نفسي يخفف عنه ثقل القلق والبطالة، يحتاج إلى برامج تعليمية وتدريبية تعيد ربطه بسوق العمل، يحتاج إلى مساحة حقيقية للتعبير والمشاركة في القرار، لأن تهميش صوته هو أخطر ما يهدد استقرار أي وطن.
إن الشاب العراقي لا يطلب المستحيل. هو لا يريد أن يعيش في قصور ولا أن يمتلك ثروات طائلة. كل ما يريده هو حياة كريمة. يريد أن يشعر أن علمه له قيمة، أن جهده له معنى، أن صوته مسموع. يريد أن يثق أن الدولة تحسب له حساباً كما تحسب للنفط والغاز والسياسة والأمن. يريد أن يعرف أن مستقبله ليس لعبة في أيدي الظروف، بل مشروع وطني تتبناه الدولة وتدعمه بجدية.
الجانب النفسي هنا هو الأهم. الشاب حين يشعر أنه منسي أو مهمش أو بلا قيمة، يتحول إلى قنبلة صامتة. قد ينفجر غضباً في الشارع، وقد ينفجر يأساً في صمته، وقد يهاجر بلا رجعة. أما حين يشعر أن الدولة تراهن عليه، وتثق بقدراته، وتدعمه معنوياً ومادياً، فإنه يتحول إلى طاقة جبارة قادرة على بناء وطن من الصفر.

ولهذا، فإننا نخاطب الدولة العراقية اليوم بنداء صادق: انظروا إلى شبابكم بعبن مختلفة. لا تجعلوا طاقاتهم تُهدر في المقاهي أو في طوابير الانتظار أو على حدود الهجرة. افتحوا لهم الأفق، وفروا لهم القروض، شجعوهم على الاستثمار في أنفسهم وفي بلدهم، قدموا لهم الدعم النفسي والتشجيع المعنوي، أعطوهم مساحة للابتكار والتجريب. فالشاب الذي يحصل على فرصة عادلة سيصنع المعجزات، أما الذي يُحرم منها فلن يجلب سوى مزيد من الإحباط والفوضى.
إن مستقبل الشاب العراقي هو مستقبل العراق نفسه. وحين تضع الدولة هذه الحقيقة نصب عينيها، وتبني سياساتها على أساسها، فإنها تضمن لنفسها استقراراً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لعقود. وحين تهمشها، فإنها تراهن على فراغ مخيف لن يملأه إلا الغضب واليأس.
يا شباب العراق، اعلموا أنكم أنتم الثروة الحقيقية، أنتم النفط الذي لا ينضب، أنتم الرأسمال الذي لا يخسر. لا تيأسوا، وابقوا على الحلم، فالدولة قد تتأخر لكنها ستدرك عاجلاً أو آجلاً أن قوتها بكم. ويا دولة العراق، اعلمي أن جيلك الجديد لن ينتظر طويلاً، فإن لم تقدمي له المستقبل الذي يستحق، فسوف يصنعه بنفسه، شاءت السياسة أم أبت .

شاركها.