قبل العام 2003 ما كنا لنسمع بلفظة (الورشة) التي تصاحب بعض المؤتمرات الثقافية والصحفية والفنية، اللهم إلا بحدود فهمنا لمعناها في الصناعة، والحرف اليدوية، كالحدادة والنجارة وغيرها، لا عن زهد بأهميتها، إنّما لجهلنا بأهميتها، كممارسة ثقافيّة. وأعترف بأنني أضفت الكثير لمعارفي في الصحافة، خلال مشاركتي بعدد لا يستهان به من الورش، داخل وخارج البلاد.
لهذه وتلك أجدُ مناسبة حضوري الجلسة الأدبيّة التي أقيمت في مبنى قصر الثقافة والفنون مؤخراً، اِحتفاءً بصدور كتاب إحدى كاتبات القصة القصيرة، في البصرة، وفي مداخلات المتحدثين عنها نقداً وانطبعاتٍ مدخلاً للحديث عن أهمية الورش الادبية تلك، فقد بدا لي أنَّ السيدة الكاتبة المحتفى بها كانت على معرفة بسيطة بفن القصة، وأنَّ كثيراً مما كتبته لا ينتسب بشيء إلى عالم القصة القصيرة، المعروف بتعقيده اليوم، فقد كتبت جملة خواطر وانثيالاتٍ، عنّت لها، فصاغتها، وأعطتها هويةً أكبر منها، ذلك لأنَّ ما تُلي وسُمعَ على منصة الجلسة من نقود وآراء وانطباعات يتيح لي قولَ ذلك، وما تحدثتْ الكاتبةُ به وسمعتُه منها يفصح عن تجربة بسيطة وفقيرة، لم تقوَّم بالقراءة الجادَّة، ولم تصن بالاطلاع الدقيق، ولم تأتِ عليها آلةُ التوجيه والتصويب، إنما كانت عفويةً، بريئةً، خالصةً من متاعب وشجون وطرائق القصِّ.
أرى بضرورة أن يترتب على أجيالنا الجديدة من الادباء والفنانين المشاركة الجادة بأيِّ ورشة تقام في هذا الشأن. لن يعيب أحدٌ أمراً كهذا، وما بنقيصة عليك إن أخذت مقعدك أمام من سيعلمك كيف تكتب، ويدلّك على قاعدة العمل، ومتى يحقُّ لك اصدارعملٍ ثقافيٍّ، يليق باسمك. عليك أنْ تعلم بأنَّ كتابة القصيدة والقصة والرواية والنقد علم كباقي العلوم التي لن تتعلمها وحدك، ولا تستطيع اختزالها بكتاب تصدره. الحكومات المتحضرة التي تعي معنى وأهمية الثقافة في حياة شعوبها تنفق الملايين من الدولارات سنوياً، وتمنح الشعراء والكتاب والفنانين الفرص الممولة، على إقامة الورش هذه، ولنا في تجربة بعض الزملاء من الذين شاركوا في برنامج منحة (فولبرايت) خير دليل على ذلك.
البرنامج الذي يهدف إلى توفير البيئة الملائمة للتبادل الثقافي، ومنح المشاركين الوقت، والمكان، المطلوبين، للكتابة والقراءة والترجمة والتعليم والبحث والتّجوال، مثلما يمنحهم الفرصة لعرض أعمالهم أمام الجمهور. قبل سنواتٍ كنتُ قد دعيت للعمل كمدرب للشعر في ورشة ثقافيّة أقامها معهد غوتة في البصرة، بمشاركة الكاتبة والروائية عالية طالب، كمدربة للقصة القصيرة، وبحضورعدد من المتدربين. كانت التجربة جديدةً عليَّ كمدرب، وكنت حائراً، في ما يتوجب علي قوله، وكيف سأختزل نصف قرن من تجربتي، في كتابة الشعر، بمحاضرات قليلة؟ ربما كانت الزميلة عالية طالب أقدرَ مني على ذلك، لكنَّ جديّة الورشة وحرصنا على توصيل فكرة الكتابة أتت أكلها في الاخير، فقد كتب المتدربون في الشعر قصيدةً، والمتدربون في القصة قصةً، وعملنا معاً على تفكيك آلية الكتابة، ومحو الزوائد، وإضافة ما يتوجب اضافته، واستبدال ما يصحُّ استبداله، وهكذا، جرت محاولات ومحاولات.
حتى خلصنا إلى ما اتفقنا عليه، ففرح البعض بما كتب، وحزن وأصابه الغم من أخفق، وعلى مدار اسبوع أو أقل تحققت نتائج باهرة، فقد فازت نصوصٌ، ونيلتٌ جوائز، وتحققت غاية، وأصرَّ البعضُ على خوض التجربة، والافادة مما تعلمَه.نشاهدُ في الفعاليات الادبية التي تقام في البصرة، وفي مدن أخر عدداً من النساء الكاتبات والشاعرات، بينهنَّ من أصدرَّ الكتاب والكتابين والثلاثة، ونلحظ إصراراً على الحضور والمشاركة، وتوقاً للكمال، هناك لغة تتطور، ومكنةٌ في الحديث والحوار، ومحاولات جادة في بلوغ مراتب التطور.. وكلها من جميل ما نشاهده، ونسعد بوجوده، لكنني، ومن منطلقٍ شخصيٍّ جداً، أتمنى أنْ لا يُغضب أحداً، أجدُ بأنَّ غالبية المشاركات بحاجة إلى انتظامهن في ورش أدبية، وإلى توجيه حقيقي، لمعرفة أكثر في فنون الكتالبة.. ذلك لأنَّ الموهبة وحدها غير كافية، وغياب النقد الحقيقي مضرٌّ والمجاملات (النقدية) قاتلة للإبداع، وليس كلُّ من وجد في دخيلته حبَّاً للشعر، والقصة، والرواية بقادر على اتمام صنعته، خارج المواجهة الشجاعة والتوجيه السليم.
يؤسفني أنني لم أسمع من السيدة المحتفى بها في جلسة قصر الثقافة تلك، حديثاً عن كاتبٍ، عربيٍّ، أو أجنبيّ أحبتهُ، أو قرأته، وتأثرت به، مثلما يؤسفني ألّا أجد بين الكاتبات والشاعرات اللواتي تحدثن فيها من ذكرت اسماً لكاتب كبير، أوعرّجت على تجربة كتابية مقاربِة ! هل أقول بأنهنَّ لا يقرأنَّ؟: قطعاً لا، لكنْأٌول: بأنهنَّ بحاجة إلى توجيه قرائيٍّ آخرَ، خارج الموجّهات الشخصية، وبعيداً عن المجاملات والاخوانيات.
قبل العام 2003 ما كنا لنسمع بلفظة (الورشة) التي تصاحب بعض المؤتمرات الثقافية والصحفية والفنية، اللهم إلا بحدود فهمنا لمعناها في الصناعة، والحرف اليدوية، كالحدادة والنجارة وغيرها، لا عن زهد بأهميتها، إنّما لجهلنا بأهميتها، كممارسة ثقافيّة.
وأعترف بأنني أضفت الكثير لمعارفي في الصحافة، خلال مشاركتي بعدد لا يستهان به من الورش، داخل وخارج البلاد. لهذه وتلك أجدُ مناسبة حضوري الجلسة الأدبيّة التي أقيمت في مبنى قصر الثقافة والفنون مؤخراً، اِحتفاءً بصدور كتاب إحدى كاتبات القصة القصيرة، في البصرة، وفي مداخلات المتحدثين عنها نقداً وانطبعاتٍ مدخلاً للحديث عن أهمية الورش الادبية تلك، فقد بدا لي أنَّ السيدة الكاتبة المحتفى بها كانت على معرفة بسيطة بفن القصة، وأنَّ كثيراً مما كتبته لا ينتسب بشيء إلى عالم القصة القصيرة، المعروف بتعقيده اليوم، فقد كتبت جملة خواطر وانثيالاتٍ، عنّت لها، فصاغتها، وأعطتها هويةً أكبر منها، ذلك لأنَّ ما تُلي وسُمعَ على منصة الجلسة من نقود وآراء وانطباعات يتيح لي قولَ ذلك، وما تحدثتْ الكاتبةُ به وسمعتُه منها يفصح عن تجربة بسيطة وفقيرة، لم تقوَّم بالقراءة الجادَّة، ولم تصن بالاطلاع الدقيق، ولم تأتِ عليها آلةُ التوجيه والتصويب، إنما كانت عفويةً، بريئةً، خالصةً من متاعب وشجون وطرائق القصِّ.
أرى بضرورة أن يترتب على أجيالنا الجديدة من الادباء والفنانين المشاركة الجادة بأيِّ ورشة تقام في هذا الشأن. لن يعيب أحدٌ أمراً كهذا، وما بنقيصة عليك إن أخذت مقعدك أمام من سيعلمك كيف تكتب، ويدلّك على قاعدة العمل، ومتى يحقُّ لك اصدارعملٍ ثقافيٍّ، يليق باسمك. عليك أنْ تعلم بأنَّ كتابة القصيدة والقصة والرواية والنقد علم كباقي العلوم التي لن تتعلمها وحدك، ولا تستطيع اختزالها بكتاب تصدره. الحكومات المتحضرة التي تعي معنى وأهمية الثقافة في حياة شعوبها تنفق الملايين من الدولارات سنوياً، وتمنح الشعراء والكتاب والفنانين الفرص الممولة، على إقامة الورش هذه، ولنا في تجربة بعض الزملاء من الذين شاركوا في برنامج منحة (فولبرايت) خير دليل على ذلك.
البرنامج الذي يهدف إلى توفير البيئة الملائمة للتبادل الثقافي، ومنح المشاركين الوقت، والمكان، المطلوبين، للكتابة والقراءة والترجمة والتعليم والبحث والتّجوال، مثلما يمنحهم الفرصة لعرض أعمالهم أمام الجمهور. قبل سنواتٍ كنتُ قد دعيت للعمل كمدرب للشعر في ورشة ثقافيّة أقامها معهد غوتة في البصرة، بمشاركة الكاتبة والروائية عالية طالب، كمدربة للقصة القصيرة، وبحضورعدد من المتدربين.
كانت التجربة جديدةً عليَّ كمدرب، وكنت حائراً، في ما يتوجب علي قوله، وكيف سأختزل نصف قرن من تجربتي، في كتابة الشعر، بمحاضرات قليلة؟ ربما كانت الزميلة عالية طالب أقدرَ مني على ذلك، لكنَّ جديّة الورشة وحرصنا على توصيل فكرة الكتابة أتت أكلها في الاخير، فقد كتب المتدربون في الشعر قصيدةً، والمتدربون في القصة قصةً، وعملنا معاً على تفكيك آلية الكتابة، ومحو الزوائد، وإضافة ما يتوجب اضافته، واستبدال ما يصحُّ استبداله، وهكذا، جرت محاولات ومحاولات.
حتى خلصنا إلى ما اتفقنا عليه، ففرح البعض بما كتب، وحزن وأصابه الغم من أخفق، وعلى مدار اسبوع أو أقل تحققت نتائج باهرة، فقد فازت نصوصٌ، ونيلتٌ جوائز، وتحققت غاية، وأصرَّ البعضُ على خوض التجربة، والافادة مما تعلمَه.نشاهدُ في الفعاليات الادبية التي تقام في البصرة، وفي مدن أخر عدداً من النساء الكاتبات والشاعرات، بينهنَّ من أصدرَّ الكتاب والكتابين والثلاثة، ونلحظ إصراراً على الحضور والمشاركة، وتوقاً للكمال، هناك لغة تتطور، ومكنةٌ في الحديث والحوار، ومحاولات جادة في بلوغ مراتب التطور.. وكلها من جميل ما نشاهده، ونسعد بوجوده، لكنني، ومن منطلقٍ شخصيٍّ جداً، أتمنى أنْ لا يُغضب أحداً، أجدُ بأنَّ غالبية المشاركات بحاجة إلى انتظامهن في ورش أدبية، وإلى توجيه حقيقي، لمعرفة أكثر في فنون الكتالبة.. ذلك لأنَّ الموهبة وحدها غير كافية، وغياب النقد الحقيقي مضرٌّ والمجاملات (النقدية) قاتلة للإبداع، وليس كلُّ من وجد في دخيلته حبَّاً للشعر، والقصة، والرواية بقادر على اتمام صنعته، خارج المواجهة الشجاعة والتوجيه السليم. يؤسفني أنني لم أسمع من السيدة المحتفى بها في جلسة قصر الثقافة تلك، حديثاً عن كاتبٍ، عربيٍّ، أو أجنبيّ أحبتهُ، أو قرأته، وتأثرت به، مثلما يؤسفني ألّا أجد بين الكاتبات والشاعرات اللواتي تحدثن فيها من ذكرت اسماً لكاتب كبير، أوعرّجت على تجربة كتابية مقاربِة ! هل أقول بأنهنَّ لا يقرأنَّ؟: قطعاً لا، لكنْأٌول: بأنهنَّ بحاجة إلى توجيه قرائيٍّ آخرَ، خارج الموجّهات الشخصية، وبعيداً عن المجاملات والاخوانيات.