لم تعد الجوائز الأدبيَّة مجرّد محطّات تكريميَّة تُسلّط الضوء على منجزات الكتّاب، بل تحوّلت، في السنوات الأخيرة، إلى أدوات تأثيرٍ فعّالة في تشكيل الذائقة الأدبيَّة، وتوجيه مسارات السرد، بل وإعادة صياغة الأساليب التي تُكتب بها الرواية العربيَّة. هذا التحوّل، الذي بدأ يتكرّس منذ اتساع نطاق الجوائز العربيَّة والعالميَّة، أثار أسئلة متعددة حول العلاقة بين الجائزة والنص، وحول ما إذا كانت الأخيرة تُكتب، أحيانًا، لتتناسب مع شروط الأولى.في السياق العراقي، كما في غيره من البلدان العربيَّة، لم يكن هذا التأثير موحّدًا ولا محلّ إجماع. فبينما يرى البعض في الجوائز حافزًا لتطوير أدوات الكتابة وتوسيع نطاق الموضوعات التي تتناولها الرواية، يُبدي آخرون تشكّكًا في أثرها، معتبرين أنها تفرض، بصمت، قوالب جاهزة ومعايير تجاريَّة، قد تُضعف من قيمة النصوص أو تدفع باتجاه تسطيحها.
الكاتب العراقي وارد بدر السالم يعبّر بوضوحٍ عن هذا التحفظ، إذ يرى أنَّ الجوائز، وخصوصًا تلك التي تتسمُ بطابعٍ ماليٍ أكثر منه نقدي، لم تتمكن من إحداث تحوّلٍ حقيقيٍ في أساليب الكتابة الروائيَّة. وبحسب ما يرى فإنَّ “ما تتيحه هذه الجوائز من فرص انتشار أو مكافآت ماليَّة قد يكون دافعًا لتسويق أفكار روائيَّة، أكثر من كونه مساهمة في تطوير البنية الفنيَّة للنص. حضور كبار النقاد في لجان التحكيم لم يكن كافيًا لضمان نقلة نوعيَّة، ما دامت آليات التقييم والمشاركة غير محكومة بضوابط صارمة”.في المقابل، يشير الروائي شوقي كريم حسن إلى أثر إيجابي ملحوظ للجوائز الأدبيَّة على المشهد الروائي المحلي. ومن وجهة نظره، فإنَّ الجوائز دفعت الكتّاب إلى التماس قضايا اجتماعيَّة وسياسيَّة أكثر حساسيَّة، وإلى التجريب في تقنيات السرد بما يواكب التحولات الثقافيَّة والسياسيَّة في العراق والمنطقة. كما يرى أنها أسهمت في تحفيز اهتمام الروائيين بالتراث المحلي والهويَّة، ما أضفى على النصوص بعدًا واقعيًا ومركّبًا”.
أما الناقد والأكاديمي الدكتور أحمد ضياء، فيُعيد الظاهرة إلى سياق أوسع، إذ يبين التحولات السياسيَّة التي شهدها العالم العربي خلال العقدين الأخيرين. وتراجع النظم السلطويَّة، وظهور فضاءات جديدة للتعبير، ازدادت وتيرة الكتابة الروائيَّة، لكنها، بحسب رأيه، جاءت في كثيرٍ من الأحيان مندفعة وعاطفيَّة أحياناً وهي مدفوعة برغبة الوصول السريع إلى الشهرة، لا سيما مع تصاعد أهميَّة الجوائز كأداة انتشار. وهو يرى أنَّ هذا “التسابق” أسهم في خلق روايات تنحاز إلى ما يُتوقّع منها، أكثر مما تعبّر عن رؤى إبداعيَّة مستقلة.
وفي لقاءات عدة يطرح الروائي أحمد سعداوي مقاربة أكثر توازنًا. ففوزه بجائزة “البوكر” العربيَّة عام 2014 عن روايته (فرانكشتاين في بغداد) جعله في موقع تجربة ملموسة. وقد أشار غير مرة إلى أنَّ الجوائز يمكن أنْ تُفسح المجال أمام الكاتب للتفرغ والإنتاج والانفتاح على أسواقٍ جديدة، لكنها قد تخلقُ أيضًا إغراءاتٍ غير معلنة، تدفع ببعض الكتّاب إلى الكتابة على وفق ما يظنّونه “معايير الفوز”.وسط هذا التباين، يبقى السؤال معلّقًا: إلى أي مدى يمكن للجوائز الأدبيَّة أنْ تصنع تحوّلًا حقيقيًا في أساليب الكتابة؟ وهل تُكتب الرواية اليوم لتعبّر عن رؤى كاتبها أم لتتناسب مع معايير الفوز؟ ما يبدو مؤكدًا، أنَّ الجوائز باتت جزءًا من البنية الثقافيَّة للنص العربي المعاصر، وأنَّ تأثيرها سلباً أو إيجاباً لا يمكن فصله عن مسار تطوّر الرواية، كفنٍّ يعيد صياغة نفسه باستمرار، ضمن شروط زمنه. ومثلما قال الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، الحائز على نوبل: “الجوائز لا تخلق كاتبًا، لكنها قد تغيّر طريقه”.أما الكاتب الأمريكي وليم فولكنر فذهب أبعد من ذلك، حين رأى أنَّ “الكاتب الجيد لا يكتب ليفوز، بل يكتب ليقول الحقيقة، حتى لو خسر كل شيء في الطريق”. وبين هذين الموقفين، تواصل الرواية العربيَّة محاولتها التوازن بين الطموح الفني وضرورات المشهد الأدبي المتحوّل.