قانون العفو .. هكذا يحقق آمال “النهيبية”بقلم جاسم الحلفي
آخر تحديث:
قانون العفو .. هكذا يحقق آمال “النهيبية”
جاسم الحلفي
تلقيت صباح يوم الاربعاء اتصالاً من أحدهم، نقل لي ابتهاج أحد رموز “سرقة القرن” بإقرار قانون العفو، حيث قال له: (إنها رزقة من الله، وقد باركها لنا. هذا حقي الذي انتزعته من غياب عدالة الحكام، فهم يسرقون، ومن حقي أن آخذ حصتي من خيرات العراق. الله أنصفني وبارك رزقي). وأضاف بكل وقاحة، بعد أن ادعى إنه صلّى صلاة الشكر: “سأتفاوض مع لجنة التسويات، وأعترف بعشرة بالمئة فقط في حوزتي مما أخذته، وأقسّط الباقي على 25 عاماً، هذا إذا تمكنوا أصلاً من معرفة المبلغ الكلي”.
بطبيعة الحال، وكما هو واضح من “عمق ايمان” هذا الفاسد، والذي هو نفس ايمان أي عضو في مجلس النواب صوّت مؤيدا قانون العفو العام في جلسة العار، مع رؤساء الكتل المتنفذة في العملية السياسية، انهم هم جميعا من صحّ بحقهم شعار حركة الاحتجاج: “باسم الدين باكونا الحرامية”.
كان حديث هذا اللص صادماً، علما أن حصته من سرقة القرن بلغت 500 مليار دينار، استثمرها بأسماء أخرى في عقارات بدبي وعمان وبغداد. هنا في بغداد، رهن العقارات للبنوك ليحصل على مبالغ اضافية، يدير بها أنشطته الاقتصادية بكل أريحية، في مشهد يعكس استغلال القوانين لتكريس الفساد بدلاً من محاربته.
في أقل من نصف دقيقة، أقرّ مجلس النواب الثلاثاء ثلاثة قوانين جدلية، أشعلت غضب الشارع العراقي. هذه السرعة الصادمة ليست علامة كفاءة، بل حصيلة توافق طائفي بين القوى السياسية المتنفذة، التي تكرس الانقسام المجتمعي وتغذي الفجوات الطبقية. لم تأتِ القوانين الثلاثة لتعالج أزمات البلاد، بل لتعزز التجزئة السياسية والاجتماعية في بلد يعاني أصلا من تمزق نسيجه الوطني.
وقد كشفت مقاطع فيديوية الطريقة التي مررت بها القوانين أمام نواب لم يكونوا في مقاعدهم، وأصوات لم تُحسب، حيث اكتفى رئيس المجلس بإعلان الموافقة بالأغلبية دون أي توثيق شفاف. وهذه الفوضى تضع مصداقية المؤسسة التشريعية على المحك، وتؤكد انحرافها عن دورها الأساسي في تمثيل إرادة الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وجاء تمرير القوانين الثلاثة بسلة واحدة، رغم عدم ترابطها، انعكاسا واضحا لسياسات “انطيني وأنطيك”، حيث أصبحت التشريعات أداة لصفقات سياسية تخدم فئة صغيرة من النخب الفاسدة. النهابون الذين يستولون على خيرات البلاد يجدون في هذه القوانين حماية وشرعية لأفعالهم، بينما يُترك الكادحون والمعوزون والفئات المهمشة دون أي غطاء قانوني يحمي حقوقهم أو يوفر لهم فرصاً للعيش الكريم.
هذا المشهد يؤكد الانحياز الطبقي الواضح في التشريعات، حيث تُصاغ القوانين لخدمة الحرامية على حساب الأغلبية المسحوقة. وهذا البرلمان ليس صوت الشعب، بل أداة بيد الفاسدين الذين يواصلون تكديس الثروات على حساب الفقراء والمحرومين.
وقد تأخرت الأحزاب الوطنية النزيهة والنخب المثقفة في أخذ زمام المبادرة للدفاع عن حقوق الشعب. وان على المثقفين أن يتجاوزوا حدود التنظير، وأن يلعبوا دوراً فاعلاً في توعية الجماهير وتحشيدها لمواجهة هذه الطغمة الجاثمة على صدور الشعب، والتي تمثل مصالح الفاسدين والنهابين فقط. فلا يمكن مواجهة هذا الواقع إلا من خلال احتجاجات شعبية واسعة، تتجاوز المطالب الجزئية، وتهدف إلى تغيير جذري في النظام السياسي.
ان على الشعب أن يستعيد زمام المبادرة بالنزول إلى الساحات بهدف التغيير.
فهذه الطغمة الحاكمة، التي لا تمثل سوى نفسها، جعلت من العراق ساحة مفتوحة للفساد. ولا حل إلا بإزالتها، وبناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية، ويعيد توزيع الثروات بما يخدم الطبقات الكادحة، التي يفرض عليها اليوم تسديد أثمان الفشل السياسي والاقتصادي.